الفصـل الاول

       

  1-تمهيد

2-تفسير الامور

3-كتاب فريد من نوعه

1- تمهيد:

السنة - حوالي 33 ميلادية

        كانت شمس منتصف النهار تسطع بقوة . كان كل شيء هادئا. رفضت العصافير ان تغرد في مثل هذا الحر القاسي. وركل كلاوبا كومة من الطين الجاف عن الطريق المغبر وأخذ نفسا طويلا، ونفخ خديه وهو يتنهد متعبا. ونظر بعينين نصف مفتوحتين في السديم، وبالكاد استطاع ان يرى سلسلة الجبال امامه. كان يسكن في قرية عمواس التي تقع على بعد عدة اميال. سيحل الغروب عليهما قبل الوصول، الا ان سبعة اميال، هي مسافة قصيرة ومناسبة للسير على الاقدام، ولكن احداث النهار ابقتهما متأخرين، ولا يزالان يرغبان في الحصول على المزيد من الاخبار الجديدة. لم تكن عمواس قرية هامة، بل بدت اليوم اكثر جاذبية من القدس، بصراخ شعبها وجنودها الرومان وحاكمها بيلاطس البنطي.

        عاد كلاوبا بافكاره الثقيلة الى الحاضر، فسأل مرافقه السؤال للمرة الثانية. كان الاثنان يناقشان احداث اليوم، واحداث السنوات القليلة الماضية، وبدا لهما انه لا يمكن شرح اية تفاصيل اخرى. كان كليوبا متعبا، وقد اصابه الارتباك لما حصل في مدينة القدس بصورة خاصة. كانت الاسئلة التي تطرح عن  الحياة في تلك الايام اكثر مما كان يتوفر من اجابات.

       وفيما كانا يتحدثان عن تلك الحوادث كلها، ويتساءلان، دنا منهما يسوع نفسه، وكان يسير معهما. ولكن اعينهما امسكت عن معرفته. فقال لهما ما هذا الكلام الذي تتحاوران فيه وانتما سائران مكتئبين.

لوقا 24: 13-17

        كان هذان الرجلان من اتباع المسيح عليه السلام، رغم انهما ليسا من المجموعة المقربة من تلاميذه.

فأجاب  واحد منهما اسمه كلاوبا أفأنت وحدك في اورشليم ولم تعلم ما حدث بها في هذه الايام. فقال لهما وما هو. قالا له ما يخص يسوع الناصري الذي كان رجلا نبيا ذا قوة في العمل والقول امام الله والشعب كله. وكيف اسلمه رؤساء الكهنة وحكامنا لقضاء الموت وصلبوه. نحن  كنا نرجو انه هو المزمع ان يفدي اسرائيل ولكن مع هذا جميعه فاليوم هو اليوم الثالث لحدوث ذلك. الا ان نساء منا ادهشننا لانهن بكرن الى القبر لم يجدن جسده فأتين وقلن انهن رأين مظهر ملائكة قالوا انه حي.  فمضى قوم من الذين معنا الى القبر، ووجدوا  كما قالت النساء لكنهم لم يروه.

                        لوقا 24: 18-24

        قدم الرجلان تقريرا موجزا عن ذلك النهار. ولم تكن هذه الاخبارا جديدة بالنسبة للمسيح عليه السلام، ولكنه انتظر بهدوء حتى ينهيا. فلديه اخبار لهما ايضا.

قال لهما: يا قليلي الفهم وضعيفي الايمان بكل ما نطقت به الانبياء. اما كان ينبغي للمسيح ان يتألم هذه الآلام ثم يدخل الى مجده. ثم اخذ يفسر لهما من موسى وجميع الانبياء ما يختص به في  الاسفار كلها.

لوقا 24: 25-27

        اخبرهما بأنه كان على المسيح عليه السلام ان يتألم ويموت ثم يعود الى الحياة ثانية. الامر الذي أثار لديهم الاستغراب. ولكن المسيح لم يتوقف في حديثه عند هذا الحد، بل رجع الى التوراة والانبياء وبدأ منذ البداية، واستمر يتقدم خطوة خطوة، ويتلو قصة تلو الاخرى من كتاب العهد القديم، واخذ يعلمهما عن نفسه. وكان ذلك درسا قيما.

        فلما اقتربوا من القرية التي كانا يقصدانها، تظاهر بأنه منطلق الى مكان ابعد. فالزماه قائلين: امكث معنا لان المساء مقبل وقد مال النهار. فدخل ليمكث معهما. فلما اتكأ معهما اخذ خبزا وبارك وكسر وناولهما. فانفتحت اعينهما وعرفاه، ثم غاب عنهما. قال احدهما للآخر اما كانت قلوبنا مضطربة فينا حين كان يخاطبنا في الطريق ويشرح لنا الكتب؟

لوقا 24: 28-32

اشعل الله نار الفهم في عقولهما، وكانا مندهشين ومنفعلين!

            

       وقاما في تلك الساعة ورجعا الى اورشليم، فوجدا الاحد عشر والذين معهم مجتمعين، وهم يقولون: لقد قام الرب في الحقيقة وتراءى لسمعان. فاخذا يخبران بما حدث في الطريق، وكيف عرفاه عند كسر الخبز.

لوقا 24: 33-35

        تستطيع ان تتخيل رحلة العودة الى القدس، بينما كان هذان الرجلان المتعبان يناقشان ما  يقولانه للاحد عشر تلميذا. فقد كانت لديهما اخبار جيدة! ولما وصلا وجدا بأن الاحد عشر تلميذا كانوا في ثورة وهياج، لظهور المسيح عليه السلام لهم ايضا.

        وبينما هم يتحدثون عن ذلك، وقف يسوع في وسطهم وقال لهم: السلام لكم انا هو لا تخافوا. فاضطربوا وخافوا وظنوا انهم يرون روحا. فقال لهم: ما بالكم مرتعدين؟  ولماذا ثارت الاوهام في قلوبكم؟  انظروا يدي ورجلي. اني انا هو. جسوني وانظروا فان الروح لا لحم له ولا عظام كما ترون لي. وعند قوله ذلك آراهم يديه ورجليه.

                                 لوقا 24: 36-40

 

آراهم يسوع يديه ورجليه... اليدان والرجلان التي سمرت على الصليب.

ولم يصدقوا ما رأوه من شدة الفرح، قال اعندكم ههنا طعام. فأعطوه قطعة من سمك مشوي وشهد عسل. فأخذ واكل امامهم. ثم اخذ الباقي واعطاهم. وقال لهم هذا هو كلامي الذي كلمتكم به اذ كنت معكم. انه ينبغي ان يتم كل ما كتب عني في ناموس موسى والانبياء والمزامير.

                                           لوقا 24: 41-44

        استخدم المسيح عليه السلام الكتاب لشرح الاحداث المحيطة بموته ودفنه وقيامته، تماما كما فعل في السابق مع الرجلين على الطريق الى عمواس. ويقسم اليهود الكتاب المقدس الى ثلاثة اجزاء: الشريعة والمزامير والانبياء. أخذ المسيح كل واحد من هذه الاجزاء، وبين للتلاميذ كيف تحققت فيه جميعها.

فتح حينئذ اذهانهم ليفهموا الكتب. وقال لهم هكذا كتب وهكذا كان ينبغي للمسيح ان يتألم وان يقوم في اليوم الثالث من بين الاموات. وان يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا في جميع الامم ابتداء من اورشليم، وانتم شهود لذلك.

 لوقا 24: 45-48

اخبرهم المسيح عليه السلام بأن الانبياء قد تنبأوا  بأنه سوف يتألم ويموت، وانه سيقوم من بين الاموات. ولكن لماذا ؟ لماذا تسجل الكتب بأنه كان عليه ان يموت، بينما كان يخطط للعودة الى الحياة ؟

        ما هي دلالة تلك الاحداث – ها هي دلالة موته وقيامته؟

سوف نبدأ من البداية ... حيث بدأ المسيح عليه السلام ؟ سوف نبحث في ما تعلمه الكتب في الشريعة والانبياء والمزامير، ونرى ما تقوله عنه.

 

2- تفسير الامور

        عندما تتوقف وتفكر في الأمر، ترى انه من المعقول والمنطقي جدا ان تخصص بضعة ساعات من وقتك من اجل ان تفهم كلمة الله.

        وفوق كل شيء،  ان الكتاب المقدس يحتوي على معان عميقة جدا عن الحياة والموت. كان الكتاب المقدس - مجموعة الكتب المقدسة القديمة - لعدة قرون افضل الكتب مبيعا، واكثرها قراءة وترجمة وطباعة… وكان ايضا اكثر الكتب التي تعرضت للنقد عبر العصور، حيث يستطيع اقل الاشخاص معرفة ودراية ان يفهم ما يحتوي عليه من معان اساسية. ولسوء الحظ كانت السمعة غير الجيدة من نصيب الكتاب المقدس، ليس بسبب ما يقوله، وانما لان عددا من اكثر الرجال والنساء شهرة، ويدعون بأنهم يتبعون كلمة الله، قد اتخذوا اسوأ الخيارات في الحياة.

        تعرضت رسالة كتاب الله للهجوم في العديد من الاوقات، وفي الغالب من قبل اشخاص ذوي نية حسنة، ولكن لم يتوفر لديهم الوقت الكافي لفهم ما يقوله الكتاب المقدس في الحقيقة.

        ولكن الكتاب المقدس لم يتغير رغم ما يقوله المناوئون او المنتقدون، ومن الجيد ان تعرف بنفسك ما يقوله هذا الكتاب.

 

لغـز

يظهر الكتاب المقدس من جوانب عديدة كأنه لغز. ولا اعني بهذا أن رسالته غامضة، بل يجب ربط فقراته معا  بالطريقة الصحيحة لفهم كلمة الله بدقة، ونستطيع ان نفعل ذلك بتطبيق المبادئ الاساسية للتعلم.

 

الأسـس

ان اول المبادئ هو المبدأ الذي نطبقه دائما، وهو الذي يقضي بأن نبدأ البناء من الاسفل الى الأعلى - أن نتحرك من المعلوم الى غير المعلوم، لكي نتعلم أي مفهوم جديد. فأنت لا تبدأ بتعليم الجبر للاطفال في الروضة، وانما تبدأ بالارقام الاساسية، وتسير من البسيط الى المعقد. واذا تجاوزت المبادئ الاساسية، سيكون الجبر الاساسي خارج الفهم.

        ويمكن تطبيق الطريقة نفسها مع الكتاب المقدس. اذا اهملت المبادئ الاساسية فان فهمك لكلمة الله سيصبح غريبا، وتكون الرسالة غير واضحة وغامضة وتؤدي الى تصور خاطئ.

 

حبل الملابس

        ان المبدأ الثاني هام جدا عند دراسة التاريخ او قراءة القصص. انه بكل يسر وبساطة يتمثل بالشكل التالي: ابدأ دائما من البداية وتحرك بصورة تدريجية حتى النهاية. سوف نعرض الاحداث الهامة في هذا الكتاب، ونربطها معا في تسلسل منطقي – كما تعلق الملابس على حبل الغسيل. وهذه نظرة بعيدة عن الشمولية، باستثناء بعض الفجوات التي يمكن سدها لاحقا، بعد ان تصبح الصورة الكاملة واضحة لديك.

        رغم ان حبل الغسيل قد لا يتضمن كل القصة، الا ان الاحداث التي ندرسها سوف ترتبط معا في رسالة واحدة متواصلة. واذا كنت قارئا نموذجيا، سيكون لديك في اللحظة التي تنهي فيه قراءة هذا الكتاب، معنى واضح للكتاب المقدس. والامر منوط بك وبايمانك. وآمل بصدق ان تكون من المؤمنين، ولكن الخيار سيكون لك. ان دوري هو ان اساعدك على فهمه بوضوح.

 

الاهم قبل المهم

        يجب تطبيق مبدأ  الاهم قبل المهم، على أي وضع تعليمي يكون المضمون فيه غير مألوف بالنسبة لك. فالفكرة الاساسية هي ان تدرك اكثر المواد اهمية اولا.

        يغطي الكتاب المقدس مجموعة كبيرة من المواضيع، ولكنها ليست جميعها على درجة متساوية من الاهمية. سنركز في هذا الكتاب على موضوع رئيس واحد، وهو  الاكثر اهمية في كلمة الله، وحالما تفهمه، سيكون للكتاب المقدس لديك معنى عميق وبسيط.

 

 

 

الاشياء المساعدة في الابحار

 

      من الامور المفيدة بالنسبة لهؤلاء الذين لا يعرفون طريقة دراسة كلمة الله، ان يدركوا أن الكتاب المقدس ينقسم الى ستة وستين كتابا، تتفرع بدورها الى تقسيمات فرعية وفصول واعداد.

        تسمى الكتب التي وردت قبل مجيء المسيح بالعهد القديم، وتسمى الكتب التي وردت بعد مجيئة بالعهد الجديد. وجرى تقسيم الجزء الذي يسمى بالعهد القديم من ناحية تاريخية الى ثلاث فئات.

1-شريعة موسى: وهي تشير الى التوراة في بعض الاحيان، او كتب موسى او الشريعة او الكتب الخمسة، وذلك حسب الخلفية الثقافية للشخص الذي ينظر اليها.

2- الكتابات: وهي المزامير او كتاب الاناشيد او مزامير داود او الزبور.

3- الانبياء:  تشير عبارة الانبياء في الكتاب المقدس الى كامل العهد القديم.

 

  وتشمل هذا الفئة تقريبا ثلثي الكتاب المقدس. ويشار الى الثلث الباقي  بالعهد الجديد. وهو يشمل سردا لحياة المسيح عليه السلام، ويسمى عادة بالانجيل اي البشرى السارة، وذلك حسب الخلفية الثقافية الموجودة لديك.

        ويشار الى الكتاب المقدس في الكثير من انحاء العالم بThe Bible   أي الكتاب المقدس، وهي كلمة لاتينية تعني كتاب. ولا يرتبط ذكر الكتاب المقدس هنا بأية طائفة معينة، وسوف نستخدم العبارات الموجودة فيه، مثل:  "كلمة الله" او "الكلمة"، كما اننا سنستعمل بطبيعة الحال عبارة "الكتاب المقدس" .  

 

3      - كتاب فريد من نوعه

لا شك ان الكتاب المقدس فريد من نوعه. وهو مجموعة من الكتب تبلغ جميعها ستة وستين كتابا. وقام احد المؤلفين بتصنيف الكتاب المقدس بالطريقة الآتية:

                1- كتب على مدى 1500 عام

                2-كتب على مدى 40 جيلا

        3- اشترك في كتابته اكثر من 40 مؤلفا ينتمون الى مختلف الطبقات في الحياة:

 ملوك وفلاحون وفلاسفة وصيادي اسماك وشعراء ورجال دولة وباحثون، الخ…

موسى ، قائد سياسي تدرب في معاهد مصر

بطرس ، صياد سمك

يشوع ، قائد عسكري

نحميا ، ساق

دانيال ، رئيس وزراء

لوقا، طبيب

سليمان، ملك

متى، جابي ضرائب

بولس، حاخام

4-كتب في اماكن مختلفة:

موسى في البرية

ارميا في زنزانة

دانيال في قصر على سفح تل

بولس داخل سجن

لوقا اثناء السفر

يوحنا في جزيرة بطمس

        وآخرون خلال حملاتهم العسكرية

5-كتب في اوقات مختلفة:

داود وقت الحرب

سليمان وقت السلم

6-كتب بأساليب مختلفة:كتب البعض وهو في قمة الفرح وكتب آخرون من

                  اعماق الأسى واليأس.

7-كتب في ثلاث قارات:

        آسيا وافريقيا واوروبا

8-كتب بثلاثة لغات:

العبرية والآرامية واليونانية

9-تشمل موضوعاته المئات من المواضيع المثيرة للجدل، الا ان مؤلفي  الكتاب المقدس يتكلمون بانسجام واستمرارية، من سفر التكوين الى سفر الرؤيا. وهنالك قصة واحدة تتكشف لنا جميعا (1)… وهي القصة التي نريد معرفتها ببساطة ودون مفردات لاهوتية. ان ما يتميز به الكتاب المقدس على الاطلاق هو أنه كلمة الله نفسه.

 

الله - نفس

يقال لنا في صفحات الكتاب المقدس بأن

       جميع الكتاب المقدس  ...من نفس  الله (2)

 الرسالة الثانية الى تيموتاوس 3: 16

ان المفهوم الذي يقول "أن الكتاب المقدس هو من نفس الله" يحتاج الى دراسة وبحث. وان الامر يشبه تماما ما يفعله المرء عندما يخرج نفسه، فان ذلك النفس يأتي من داخل كيانه. هكذا يجب ان ينظر الى الكتاب المقدس في النهاية، على انه من نفس الله، فالله وكلمته لا ينفصلان، وهذا هو السبب في الاشارة الى الكتاب المقدس بأنه كلمة الله.

 

الانبـياء

     بكل يسر وبساطة، يمكن النظر الى الامر بهذه الطريقة: لقد اخبر الله الانبياء ما اراد تسجيله، وقام هؤلاء الرجال بكتابة ذلك. ودعي معظم هؤلاء الرجال بالانبياء.

تكلم الله في الماضي مع آبائنا بواسطة الانبياء…

 الرسالة الى العبرانيين 1: 1

كان النبي في العصور القديمة كالمراسل، يقوم بايصال كلمة الله الى الناس. وكانت الرسالة تعالج جوانب مختلفة من الحياة اليومية، وتتضمن دائما ما سوف يحدث في المستقبل. وكان لهذا التنبوء  جانب عملي. فالاحداث تظهر بصورة فعلية، اذا كان النبي صادقا ام لا.

  اذا لم يحدث ما يخبر به النبي باسم الرب، او لا يصدق، فان هذه رسالة لم يتكلم بها الرب.    

        سفر تثنية الاشتراع 18:21

 

كان يتم التأكد من صحة رسالة النبي، اذا تحققت نبوءاته بصورة كاملة. اذ كان عليه ان يكون صادقا في رسالته بصورة مطلقة، ولا مجال للخطأ فيها.

ولكن النبي الذي يدعي انه يتكلم باسمي شيئا لم آمره ان يقوله، او نبي يتكلم باسم الهة اخرى فانه يجب موته.

  سفر تثنية الاشتراع 18: 20

ارشد الله الانبياء بطرق خاصة، فكان ما سجلوه يعكس تماما ما اراد منهم ان يكتبوه. وسمح الله في نفس الوقت للكاتب البشري ان يسجل كلمته - كلمة الله - باسلوب الانبياء الخاص، وان يفعل ذلك دون خطأ. لم يكن هؤلاء الرجال احرارا في اضافة افكارهم الخاصة الى الرسالة، ولم تكن الرسالة شيئا حلموا به وحدهم.

      يجب ان تفهموا بأنه لم تأت اية نبوءة في الكتاب المقدس عن طريق تفسير النبي ذاته. لان النبوءة لم يكن اصلها ابدا في ارادة الانسان، ولكن الرجال تكلموا من الله عندما كانوا  يختطفون بالروح…      

 رسالة بطرس الثانية 1: 20 و 21

لم يضع الله ختم موافقته على بعض الكتابات الادبية للانسان. ان عبارة  منقول التي  تستعمل في مكان آخر من الكتاب المقدس،  اشارة الى نقل رجل مشلول. وتماما كما لا يستطيع الرجل المشلول، ان يسير بقوته الذاتية، فان الانبياء لم يتمكنوا من كتابة الكتب المقدسة بميولهم الخاصة. ان الكتب المقدس واضحة من هذا الجانب- انها رسالة الله من البداية حتى النهاية.

 

دقة متـناهية

ان كتب الانبياء هي كلمات الله التي كتبت على مخطوط. وكانت المخطوطات من جلد الحيوان او ورقة مصنوعة من الياف النبات. وقد سميت المخطوطات الاصلية بالاوتوغراف.

 

وبما ان المخطوطه الاصلية لها حياة محدودة، فقد تم نسخها، وقد نسخت جميعها باليد. وكان الكتاب يشعرون بأن ما يجري تسجيله هو كلمة الله نفسها، لذلك نتج عن ذلك اروع النسخ. وعند كتابة النص العبراني…

 

استعملوا كل ضمان يمكن تخيله بغض النظر عن كونه ثقيلا او متعبا، للتأكد من النقل الدقيق للنص. وقد تم احصاء عدد الحروف في الكتاب وتم اعطاء حرفه الوسط. وبشكل مشابه مع الكلمات. ومرة ثانية تم ملاحظة الكلمة الوسطى (4).

 

وقد تم تنقيح كل نسخة مع النص الاصلي، للتأكد بأنهما نفس الشيء تماما. وكان الكتبة يتميزون بالدقة في نسخهم، فعندما وجدت مخطوطات البحر الميت ( التي كتبت عام 100 قبل الميلاد)، وتم مقارتنتها مع المخطوطات السابقة التي كانت من عمل قرون من النسخ واعادة النسخ بعد 1000 عام (عام 900ميلادي)، لم تكن هنالك فروق كبيرة في النص (5).

 

مخطوطات البحر الميت لم تتغير خلال الف عام        اقدم المخطوطات السابقة

100 ق م                 بالنسخ                900 م    

 

ولخص يوسفوس، وهو مؤرخ يهودي من القرن الاول للميلاد الامر لشعبه عندما قال … ان الدقة والثبات الذي تميزت به كتب امتنا تلك من خلال ما قمنا به، خلال عصور كثيرة مرّت، - اذ لم يجسر احد على اضافة أي شيء اليها، او أخذ أي شيء منها،  او تغيير اي شيء فيها، - جعلت جميع اليهود  يقدرون هذه الكتب …السماوية(6) .

كان هؤلاء الرجال مقتنعين تماما بأن العبث بالنص هو العبث مع الله. ولدينا العديد من الاسباب التي تؤكد بأن ما لدينا هو نفس الذي كتبه الانبياء.

 

الترجمات

تمت كتابة المخطوطات الأصلية بالعبرية او الآرامية او اليونانية. وتم النسخ بطبيعة الحال باستخدام نفس اللغة. وبما ان الكثيرين منا لا يعرفون هذه اللغات، فقد ترجم الكتاب المقدس الى لغات أخرى عديدة. وتمت هذه الترجمات من النص الاصلي التي تعود جذوره الى الماضي البعيد.

 

ان ترجمات العهد القديم مثلا ( الشريعة والكتابات والانبياء) اعتمدت المخطوطات التي ما زلنا نستطيع قراءتها اليوم - مخطوطات تعود الى 100 عام قبل ميلاد المسيح عليه السلام. وقد اقتبس المسيح من ترجمة يونانية للكتب المقدسة العبرية التي تمت قبل 150 عاما عى الاقل من حياته على الارض. ولا تزال الترجمة موجودة، ونستطيع قراءتها اليوم. ان العهد الجديد ( الذي يغطي حياة المسيح) يعتمد على اكثر من 2700 مخطوطة يونانية تعود الى القرن الثاني. ويمكن استعمال أي من هذه المصادر القديمة لفحص دقة ما نقرأه حاليا. ومرة ثانية، يمكن القول بصورة دقيقة، أن ما كتبه الانبياء الاقدمون هو في الاساس نفس الذي نقرأه اليوم.

 

وشهد الانبياء انفسهم أن الله يحفظ كلمته المكتوبة بحيث لا تتغير ابدا.

        يذوي العشب وتذبل الوردة ولكن كلمة الهنا تبقى الى الابد.

اشعيا 40: 8

ويقول المسيح عليه السلام :

الحق اقول لكم انه حتى تزول السماء والارض فلن تزول اصغر حرف او خط من الشريعة (او الكتاب المقدس) حتى يتم الجميع.

 متى 5: 18

        ان الله عظيم وثابت في ذاته وقد حفظ كلمته بطريقة رائعة .

 

 

 

كلمة الله

سواء تذكرت التفاصيل حول الترجمات ام لا، فان ذلك ليس بالامر الحاسم. فالشيء الهام الذي يجب تذكره، هو ان الكتاب المقدس كلمة الله المكتوبة، ورسالته الى البشرية. وتم اخبارنا أنه من خلال صفحاته نستطيع التعرف على الله. ان مثل هذا القول سوف يجعل  اكثر الاشخاص لا مبالاة، يتوقف ويتأمل فيما تقوله هذه الكتب.

    ان كلمتك يا رب ابدية. انها راسخة

مزمور 19: 89 

 

-----------------

 إلى الفصل الثاني | إلى محتويات كتاب غريب على الطريق | إلى مكتبة النعمة