الفصل الثاني

الخطيئة

1 - الخيانة والتمرد والكراهية والعداوة والصليب:

عندما أخطأ آدم وعصى وفشل وخان العهد (أي زنى فكرياً) وتعدى على وصية الله الصالحة، وبعد ما أخذ من ثمر الشجرة الوحيدة الممنوعة (ولذلك يُعتبر سارقاً)، والتي كانت وسط ملايين الأشجار المثمرة والجميلة، أصبح هو ونسله من بعده في عداوة وكراهية ونجاسة أمام الله القدوس، حتى أنه صار في خوف شديد من الموت الأبدي في الحال هو وامرأته حواء، لأن الله كان قد قال لآدم في (تكوين 2: 17) «.. يوم تأكل منها موتاً (أبدياً) تموت». وحاولا الاختباء بين أشجار الجنة، كما حاولا ستر عورتيهما بفشل كبير بأوراق شجر التين. وكانا لا يشعران بعريهما من قبل العصيان. والقانون لا يحمي المغفلين، ولذلك كان لا بد أن يدفعا ثمن الموت الأبدي هما ونسلهما من بعد، سواء خدعهما الشيطان أم لا.

ولم يشعرا بالستر حتى سترهما الله بجلدي ذبيحتين تتطلبان بالطبع سفك الدم قبل طردهما من الجنة. ولذلك أصبحت هناك ضرورة قصوى للمصالحة مع الله القدوس. وهكذا دخلت الخطية بالكراهية والنجاسة والعداوة إلى العالم الجميل آنذاك، حتى أصبح آدم يكره حواء، وحاول أن يلصق بها تهمة التعدي (تكوين 3: 12). وقال الله لآدم: «من قال لك إنك عريان؟ هل أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها؟» فأجاب آدم: «إنها المرأة التي جعلتها رفيقة لي هي التي أطعمتني من ثمر الشجرة (الممنوعة) فأكلت». ونلاحظ من ردّ آدم أنه لم يعتذر عن الخطية التي ارتكبها، ولم يطلب الرحمة والمغفرة من الله، بل ألقى اللوم كله على حواء، وعلى الله الذي خلق له حواء الجميلة من أحد أضلاعه القريبة من قلبه، وكأنه كان يقول لله: أنت المخطئ ولستُ أنا، لأنك أعطيتني هذه المرأة السيئة التي جعلتني أقع في هذه الورطة. حتى حواء نفسها أصبحت تكره الحية ولم تتب ولا طلبت الرحمة والمغفرة من الله. وعندما سألها الله: «ما هذا الذي فعلته؟» ألقت اللوم كله على الحية، وقالت: «الحية خدعتني فأكلت» (تكوين 3: 13).

وهكذا أصبحت هناك عداوة وكراهية وخوف بين آدم وحواء والله، وبين آدم والمخلوقات كلها، وأصبحت الأرض ملعونة بسببه، إذ قال الله لآدم (عقاباً له ولنسله) «لأنك أذعنت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي نهيتك عنها، فالأرض ملعونة بسببك، وبالمشقة تكسب عيشك .. وبعرق جبينك تأكل خبزاً حتى تعود إلى الأرض، لأنك من تراب أُخذت وإلى التراب تعود .. فطرد الرب الإله آدم وحواء من جنة عدن ليفلح الأرض التي أُخذ منها» (تكوين 3: 17–19، 23).

والدليل على الكراهية والعداوة اللتان دخلتا إلى العالم هو أن حواء، والتي كانت في سلام ومحبة تتحدث مع الحية، والتي كانت من المحتمل جالسة على حجرها دون خوف قبل العصيان، أصبح هناك خوف وعداوة شديدة كما يحدث الآن إذا رأى إنسان حية أو ثعبان. وقال الرب الإله للحية (عقاباً لها) «ملعونة أنت من جميع البهائم .. على بطنك تسعين وتراباً تأكلين طوال أيام حياتك. وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها (أي المسيح نسل المرأة). هو يسحق رأسك (في الصليب) وأنت تسحقين عقبه». وقال الله للمرأة عقاباً لها: «أزيد تعبك حين تحبلين، وبالأوجاع تلدين البنين، والى زوجك يكون اشتياقك، وهو يسود عليك» (تكوين 3: 15، 16).

والله العادل الذي تحتم صفاته الجوهرية العقاب عاقبهم أرضياً فقط وطردهم من الجنة الجميلة ولم يغفر لآدم وحواء هذه الجريمة، وإلا لكان أرجعهم إلى الجنة مرة أخرى. ولكن لأجل محبته أعطاهم الوعد بالخلاص من الموت الروحي الأبدي الخطير في جهنم النار في اليوم الأخير، والذي عيَّنه هو عن طريق الفداء وكفارة المسيح بدمه. ولذلك قبل طردهما من الجنة الجميلة كساهما الله بأقمصة من جلد أُخذتا من ذبح وسلخ أول ضحيتين بريئتين ماتتا بالنيابة عنهما لتكسوان عورتيهما الأبدية، وهاتين الضحيتين كانتا ترمزان إلي تضحية المسيح بنفسه الغالية علي الصليب فيما بعد بالنيابة عن الإنسان الخاطئ، ليكفر عنه.

ونلاحظ من هذه الآيات أن العداوة أولاً حدثت بين الحية والمسيح الأزلي الذي أصبح هو الوحيد من دون البشر جميعاً، نسل المرأة، أي المسيح. وهذا يوضح عدالة الله الذي أراد أن يُكرم المرأة التي انهزمت أمام الشيطان أولاً، وليأتي من نسلها وليس من نسل آدم المهزوم، أول من يهزم الشيطان فيما بعد. وهكذا أصبح المسيح له كل المجد، هو الإنسان الوحيد الموعود به الذي كان سيسحق رأس الحية (الشيطان)، في الصليب بموته الكفاري عن الإنسانية كلها فيما بعد.

وواضح من قصة الخلق أن الله أراد أن يعيش الإنسان في محبة وشركة عائلية أبدية معه ومع المخلوقات كلها وأن لا يموت أبداً، ولكن دخلت الخطية، وشوَّهت كل شيء، ودخل الموت أيضاً، وعمت العداوة والكراهية، وعمت الحروب منذ بدء البشرية حتى يومنا هذا. وأول ابن لآدم وحواء، ذبح أخاه الأصغر هابيل بدون سبب، فسال دمه على الأرض بسبب الكراهية والحسد. وليس هناك داعٍ لأن أكرر ذكر كل الحروب والمآسي التي عمت البشرية منذ فجر التاريخ، فأنت تستطيع أن تعرفها من قراءتك لتاريخ العالم. وما مآسي الحرب العالمية الثانية بعيدة عن ذهننا، فقد سقط فيها أكثر من 60 مليون قتيل و80 مليون جريح، ومشوه، ومعوق، ومئات الملايين الذين تشردوا وفقدوا منازلهم وأموالهم ورزقهم. هذا خلاف آلاف المدن التي دمرت تماماً، والخسائر المادية التي كانت من المُحتمل أن تُعمر الأرض عشرات المرات، وأيضاُ تقضي على الفقر والجهل والمرض في كل العالم إلى الأبد.

ولا تزال الكراهية والعداوة في ازدياد، رغم أننا وصلنا تقريباً في نهاية القرن العشرين إلى قمة العلم والتقدم والحضارة في كل شئ، كما نقرأ ونسمع ونرى في وسائل الإعلام المختلفة، كما في الحروب الفظيعة، والإرهاب، والتعذيب، والاغتصاب، والسرقات، واستعمال أسلحة الدمار الشامل، والاضطهاد، والتفرقة العنصرية والقبلية والدينية وخلافهم الكثير.

فكما رأينا في صورة تشريح قلبك في أول الصفحات كيف أن الصليب اللحمي الذي وضعه الله في منتصف قلبك فاصلاً بين الدم الفاسد والدم النقي، وهو في غاية الأهمية وبدونه لا يستطيع أي إنسان أن يعيش لحظة واحدة، وهو في نفس الوقت كأنه عامل مُصالحة بين الدم الفاسد والدم النقي في القلب، حتى يمكن للقلب أن يعمل بكفاءة وسلام.

هكذا تحدثنا كلمة الله كم كان من الضروري أن يكون صليب المسيح هاماً جداً في عمل المُصالحة بين الله الطاهر والإنسان الفاسد، وأيضاً الإنسان مع الإنسان، واليهود شعب الله المختار في القديم (وهو مختار ليأتي المسيح منه) مع باقي الأمم الوثنية. وقد بشر جمهور الملائكة الرعاة (وهذه أول حادثة في التاريخ تظهر الملائكة للناس بهذه الكثرة) الذين كانوا موجودين في العراء بالقرب من مدينة بيت لحم في فلسطين يحرسون رعيتهم في الليل عند ولادة المسيح في مزود للبقر والغنم (أي وُلد في مكان الذبائح الكفارية). وكانت الملائكة ترنم في منظر مهيب «المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة» (لوقا 2: 14). وكانت هذه نبوة عن السلام النفسي الأبدي وأيضاً السلام العالمي، والذي كان من المُفترض أن يجيء بعد أن يؤمن كل شخص بخلاص المسيح من سيطرة إبليس عدو الخير والسلام.

وجاء عن المصالحة والسلام النفسي والروحي الذي يعمله الصليب: «ولكن الكل من الله (كل العمل) الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح، وأعطانا المصالحة (بيننا وبينه) أي أن الله كان في المسيح (على الصليب) مصالحاً العالم (كله) لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم (السابقة) وعهد إلينا أن نعلن هذه المصالحة» (كورنثوس الثانية 5: 18، 19).

وقيل: «ولكن الآن في المسيح يسوع أنتم الذين كنتم قبلاً بعيدين صرتم قريبين بدم المسيح، وأنه هو سلامنا الذي جعل الاثنين (أي اليهود وباقي الأمم الوثنية) واحداً، ونقض حائط السياج المتوسط أي العداوة (القديمة). مبطلاً بجسده ناموس الوصايا (أي الشريعة) في فرائض، لكي يخلق الاثنين (المؤمنين بالمسيح من خلفية يهودية وخلفية وثنية) في نفسه إنساناً واحداً جديداً صانعاً سلاماً. ويصالح الاثنين في جسد واحد (أي الكنيسة الواحدة) مع الله بالصليب، قاتلاً العداوة به» (أفسس 2: 15، 16).

وقيل: «لأن الله سُر أن يحل في المسيح الإنسان كل ملء اللاهوت. وأن يصالح به كل شئ لنفسه عاملاً الصلح بدم صليبه، سواء كان ما على الأرض أم ما في السماوات. وأنتم الذين كنتم أجنبيين وأعداء لله في الفكر والأعمال الشريرة قد صالحكم الآن (بالصليب)» (كولوسي 1: 19- 22).

فأنت يا عزيزي القارئ بعد أن عرفت أهمية صليب المسيح في حياتك وسلامتك ومستقبلك الأبدي، هل تلعن الصليب كأي جاهل أثيم؟ أم هل تشكر من كل وفكرك ونفسك الذي أحبك محبة أبدية ومات عنك وسُفك دمه الطاهر بالنيابة عنك، حتى يوفي العدالة الإلهية ويخلصك من قبضة إبليس، وينقذك من الموت الروحي الثاني الأبدي في جهنم النار في اليوم الأخير؟

وكما قال الرسول بولس أعظم مبشر في التاريخ: «حاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع، الذي به صُلب العالم لي وأنا للعالم» (غلاطية 6 :14). تعال نرنم معاً هذه الترنيمة الجميلة:

1- خلني قرب الصليب 2- قد محا عند الصليب

حيث سال المجرى دم ربي إثمي

من دم الفادى الحبيب وعن القلب الكئيب

داء نفسي يبرا زال كل الهم

قرار

في الصليب في الصليب راحتي بل فخري

في حياتي وكذا بعد دفن القبر

2- أخطر مرض في التاريخ وعلاجه بسيف الروح :

عندما أخطأ أبوانا آدم وحواء أصابنا مرض روحي نفسي خطير اسمه الخطية، فقد انتشر هذا المرض النفسي والروحي في كل إنسان، كما ينتشر مرض الإيدز الخطير، والذي فاجأ البشرية في هذه الأيام الأخيرة. وقتل مرض الخطية هذا ملايين البشر في الحروب الكثيرة منذ بدء البشرية على هذه الأرض، ولا يزال شرساً أكثر من أي مرض آخر كالملاريا وشلل الأطفال والحصبة أو السل أو الكوليرا والطاعون وخلافهم. فمرض الإيدز كما نعرف ينتشر عن طريق الممارسات الجنسية الشاذة، أو عن طريق نقل الدم الملوث، أو عن طريق حقن المخدرات الملوثة، ولقد ثبت طبياً أن هذا الوباء الفيروسي الخطير، كان بسبب اتصال الإنسان جنسياً بالقرود حاملة هذاالمرض. والدليل على إصابة كل نسل آدم بهذا المرض النفسي والروحي الخطير جاء في كلمة الله، فقد قال المسيح القدوس عندما سأله تلاميذه عن الأطعمة والمشروبات والأشياء الأخرى التي تُنجس الإنسان: «أفأنتم أيضاً هكذا غير فاهمين؟ أما تفهمون أن كل ما يدخل الإنسان من خارج لا يقدر أن يُنجسه، لأنه لا يدخل إلى قلبه (الفكري) بل يذهب إلى الجوف (أي إلى المعدة والأمعاء) ثم يخرج إلى الخلاء، وذلك يطهر كل الأطعمة (التي حرمت في التوراة لبني إسرائيل في سفر اللاويين 11 مثل الجمل والخنزير والأرنب وخلافهم)». ثم قال: «الذي يخرج من (عقل وفكر) الإنسان ذلك ينجس الإنسان. لأنه من الداخل من قلوب الناس تخرج الأفكار الشريرة: زنى، فسق، قتل، سرقة، طمع، خبث، مكر، عهارة، عين شريرة، تجديف (كفر)، كبرياء، جهل. جميع هذه الشرور تخرج من الداخل وتنجس الإنسان» (متى 15: 10–20، ومرقس 7: 18-23). وقال المسيح: «سمعتم أنه قيل للقدماء: لاتزنِ، وأما أنا فأقول لكم كل من ينظر إلى امرأة (أو يراها في صورة أو مرسومة في لوحة أو رآها في التلفزيون أو السينما أو الفيديو أو حتى سمع صوتها) ليشتهيها بفكره، فقد زنى بها في قلبه (فإنه يكون وكأنه قد زنى بها بالفعل)» (متى 5: 27، 28). وقال: «كل من يغضب (بفكره).. أو من يشتم أخاه الإنسان ويقول له: يا تافه، أو يا غبي، فهو يستحق نار جهنم» (متى 5: 22). وجاء في (يوحنا الأولى 3: 15) «كل من يبغض (بفكره) أخاه (الإنسان) فهو يعتبر وكأنه قاتل نفس بالفعل (وبسبق الإصرار والترصد)».

ويتكوَّن الإنسان الواحد من نفس وروح وجسد، أي من ثلاثة في واحد وواحد في ثلاثة، مثل الله، كما قيل في التوراة تكوين (1 : 27) «فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكراً وأنثى خلقهم» . والنفس (أي ال LOGOS أي العقل) أيضاً هي التي تخطئ وليست الروح أو الجسد، فهي مركز النطق والعقل والمنطق والفكر والإرادة والعواطف، وهي باختصار تمثل قلب الإنسان الفكري أي عقله. والنفس والروح متلازمان وخالدان منذ تكوين الجنين، ولا يطرأ عليهما الفناء كالجسد الذي يفنى ويتحول إلى تراب. وهما أيضاً ستكونان خالدتين في الأبدية الروحية، فإما يكونان معاً في ملكوت الله الأبدي السعيد، أو في جهنم النار الأبدية مع إبليس وجنوده وأتباعه من الناس. وهناك آيات كثيرة في كتاب الله تثبت أن الإنسان يتكون من ثلاثة في واحد، ومنها مثلاً ما جاء في (تسالونيكي الأولى 5 : 23) «وإله السلام نفسه يقدسكم بالتمام، ولتُحفَظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح (في اليوم الأخير)». ونقرأ في العهد القديم في نبوة (حزقيال 18: 20) ما يثبت أن النفس هي التي تخطئ وتموت (أي تنفصل عن الله) وليست الروح أو الجسد إذ قيل «النفس (العاقلة) التي تخطئ هي تموت».

والسؤال هنا: مَنْ من الناس لم يخطئ بفكره ولو مرة واحدة في حياته؟ وبالطبع الإجابة في الكتاب المقدس توضح أن كل الناس خطاة ومرضى بالخطية كما جاء في (مزمور 14: 1 –3) «قال الجاهل في قلبه: لا يوجد إله. لقد فسد البشر وارتكبوا الموبقات (الخطايا) وليس بينهم من يعمل الصلاح. ولقد أشرف الرب على بني آدم ليرى هل هناك أي فاهم يطلب الله؟ فإذا الجميع قد ضلوا على السواء. كلهم فسدوا (أي أصبحوا مرضى) وليس بينهم من يعمل الصلاح. ولا واحد» (ترجمة تفسيرية). وفي (إشعياء 1: 5، 6) تقول كلمة الله لشعب الله المتمرد في القديم (وهذا ينطبق على كل الناس) «على أي موضع أضربكم بعد؟ لماذا تواظبون على التمرد؟ إن الرأس بجملته سقيم، والقلب بكامله مريض، من أخمص القدم إلى قمة الرأس ليس فيه عافية، كله جروح (متقيحة)». ويقول الإنجيل عن مرض الخطية الذي ابتلى البشرية كلها: «جميع الناس قد ضلوا، وصاروا كلهم بلا نفع (أي أصبحوا مرضى) ليس من يمارس الصلاح، ليس ولا واحد. حناجرهم قبور مفتوحة (كريهة). ألسنتهم أدوات للمكر. شفاههم تخفي سم الأفاعي القاتلة. أفواههم مملوءة لعنة ومرارة. أقدامهم سريعة إلى سفك الدماء، وفي طرقهم الخراب والشقاء. وأما طريق السلام لم يعرفوه، ومخافة الله ليست نصب أعينهم» (رومية 3: 12-18).

فعلى هذا الأساس نعرف كم نحن جميعاً مرضى ونجسين ومشوهين نفسياً وفكرياً، والذي يقول إنه لم يفعل خطية أبداً هو كاذب ويجعل الله كاذباً أيضاً، فكل إنسان مريض بهذا المرض الخبيث والسرطان اللعين. والكل يحتاج إلى علاج واستئصال هذا المرض اللعين. وتقول كلمة الله إن هناك طبيباً واحداً وعلاجاً واحداً صنعه المسيح (نسل المرأة) بالفداء على الصليب. فقد قال المسيح: «لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى، لأني لم آتِ من (السماء) لأدعو أبراراً (أصحاء) إلى التوبة، بل الخطاة (أي المرضى)» (متى 9: 12، 13).

وفي الصليب تم العلاج. وكما ذكرنا من قبل أن المسيح هو كلمة الله، وكلمة الله هو كالسيف الحاد الذي يستأصل هذا المرض السرطاني كما يستأصل الجراح السرطان الخبيث بمبضعه.

والصليب هو أيضاً كالسيف، فأنا أتصور أن المسيح صار كالسيف بكلتا يديه ورجليه المسمرات على الصليب، وقتل هذا المرض واستأصله ليشفي كل إنسان يؤمن بهذا العمل العظيم. والآيات التالية تبرهن أن كلمة الله كالسيف الحاد (أي كالصليب). فنقرأ: «كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ، ومُميزة أفكار القلب ونياته» (عبرانيين 4: 12). وفي (أفسس 6: 10، 11، 17) «تشددوا في الرب وفي قدرة قوته. البسوا سلاح الله الكامل لتتمكنوا من الصمود في وجه مكائد إبليس .. واتخذوا الخلاص خوذة للرأس .. وكلمة الله الذي هو سيف الروح». وجاء في (سفر الرؤيا 19: 15) «وكان يخرج من فمه (أي المسيح كلمة الله) سيف حاد ليضرب به الأمم (غير المؤمنين بخلاصه في الأيام الأخيرة)».

فلا تحاول أن تتخلص من مرض الخطية اللعين بمجهوداتك الشخصية أي بواسطة الصلاة والصوم والأعمال الصالحة فقط، فأنت لن تستطيع أن تنجو أو تُشفى منه ومن نتائجه المريعة، وهو بالتأكيد الموت النفسي والروحي الأبدي. ولا تنسَ أن الشيطان أذكى منا جميعاً، فهو خدّاع ويحاول أن يجعلك تعتقد أنك يمكن أن تشفى من هذا المرض بإرادتك الذاتية والتوبة الحرفية وأعمالك الصالحة فقط. بل حاول بكل نفسك وفكرك وعقلك أن تعتمد بالإيمان بالمخلص الوحيد المسيح (كلمة الله)، فهو سيف الروح الذي يساعدك على استئصال هذا المرض الروحي والنفسي الخبيث مرض الخطية. مجرد تصديق وإيمان وندم وتوبة فكرية روحية (أي الرجوع إلى الله بقلبك وفكرك لأجل نجاتك وشفائك) بالصليب وبالذي أحبك وصلب عليه ومعناه الروحي، فأنت بالتأكيد ستنجو من عبودية الشيطان وتشفي وتحيا من جديد بالولادة من الروح القدس.

أما التوبة الحرفية بمحاولتك عدم العودة إلى عمل الخطية مرة أخرى، واللجوء للصلاة والصوم والأعمال الصالحة لتنجو بالاعتماد عليها فقط لا تفيد. لأنك معرض بسبب مرضك النفسي الروحي للعودة إلى نفس الخطايا مرة أخرى. وهكذا تكون معرضاً لعقاب أشد قسوة من الأول، كمجرم له سوابق، كل ما كثرت جرائمه ينال عقاباً مضاعفاً في كل مرة يُخطئ. والدليل على الخلاص بالمسيح فقط، جاء في هذه الآية الذهبية في الإنجيل في أعمال الرسل 4: 12 «وليس بأحد غير المسيح (كلمة الله) الخلاص (والشفاء) إذ ليس تحت السماء اسمٌ آخر قدمه الله للبشر به يجب أن نخلص». وقال الله في (زكريا 4: 6) «لا بالقدرة ولا بالقوة (الذاتية تستطيع أيها الإنسان أن تنتصر) بل بروحي القدوس (الذي هو المسيح روح الله يمكنك أن تنتصر) قال رب الجنود».

وكما أنك بدون الصليب اللحمي داخل قلبك هالك جسدياً في الحال، هكذا أنت بدون الإيمان بصلب المسيح الذي أحبك، وموته بالنيابة عنك ودفنه وقيامته من الأموات منتصراً على الموت، في فجر اليوم الثالث من أجلك وأجل خطاياك الكثيرة فأنت هالك روحياً إلى الأبد.

والخطية هي أيضاً مرض العدوان والتعدي والتمرد على جميع وصايا الله الجميلة التي أوصى بها الله ليعيش الإنسان في محبة وسلام مع الله ومع أخيه الإنسان، كما ذُكر في الوصايا العشر (خروج 20: 3-16)، والوصايا الأخرى.

والخطية أيضاً هي مرض وراثي يُولد به الإنسان من بطن أمه، كما ذكر النبي داود الملك العظيم بدموع كثيرة عوم بها سريره لأيام كثيرة، وقال في (مزمور 51: 5) «هاأنذا بالإثم صُوِّرت (في رحم أمي) وبالخطية حبلت بي (بالوراثة) أمي». ويمكن أن تقرأ عن إثم داود في سفر صموئيل الثاني أصحاح 11. والله العادل الذي لا يستطيع أن يسامح أو يغفر دون أخذ حقه الطبيعي والجوهري في القصاص من المُجرم مهما كان مركزه، وإلا أصبح إلهاً باطلاً، أو صنماً من الأصنام، أو لعبة من لعب الأطفال، أو إلهاً من صنع أفكارنا المريضة، لم يترك الملك داود دون عقاب أرضى.

والشفاء لا يأتي إلا بعد أن تؤمن بالمسيح الذي مات مصلوباً ومقاماً من الأموات في اليوم الثالث من أجلك ومن أجل خطاياك التي لا تُحصى ولا تُعد، فهو سيف الروح كما ذكرنا من قبل الذي يستأصل هذا المرض اللعين. والوصايا العشر (أي الشريعة الإلهية) التي كتبها الله بإصبعه على لوحين من الحجر في جبل حوريب في صحراء سيناء، كما ذكر النبي موسى العظيم (كليم الله لفترة 40 سنة كاملة في مصر وصحراء سيناء) وهذا كان قبل حوالي 1300 سنة ق.م، وهي كما جاءت في التوراة في (خروج 20: 3-16). والأربع وصايا الأولى في اللوح الأول تختص بعلاقة الإنسان مع الله، والست وصايا الأخرى في اللوح الثاني تختص بما يجب أن تكون عليه العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان وهذه الوصايا :

(1) أنا الرب الهك (الوحيد) لا يكن لك (أي لا تعبد) آلهة (أياً كانت) أخرى سواي.

(2) لا تصنع صورة (أو تمثالاً أو حجراً) ما مما في السماء من فوق، وما في الأرض من تحت، وما في الماء من أسفل الأرض. لا تسجد لهن ولا تعبدهن، لأني أنا الرب إلهك إله غيور (ومنتقم جبار).

(3) لا تنطق باسم الرب إلهك باطلاً (أي لا تحلف باسم الله بالباطل) لأن الرب يعاقب كل من نطق باسمه باطلاً.

(4) ستة أيام تعمل وتقوم بجميع مشاغلك، أما اليوم السابع فتجعله سبتاً للرب إلهك، فلا تقم فيه بأي عمل أنتوابنك وابنتك وعبدك وأمتك وبهيمتك ونزيلك الذي داخل أبوابك.

(5) أكرم أباك وأمك (والأكبر منك سناً) لكي يطول عمرك على الأرض (وهذه أول وصية بوعد).

(6) لا تقتل (ولا تعذب أو تشوه أخاك الإنسان، ولا تظلم ولا تغتصب بالقوة أو بالاحتيال و الخ).

(7) لاتزنِ (ولا تخُن العهد أو تخون إلهك أو زوجتك أو بلدك.. الخ).

(8) لا تسرقلا تغش ولا تعطِ أي إنسان مالك بالربا). (اقرأ لاويين 25 : 35 - 37) بل يمكن أن تضعه في المصارف كما قال المسيح في إنجيل لوقا 19: 23 لكي تأخذ عليه فوائد). ملحوظة: الربا هو أخذ أرباح من أخيك الإنسان المحتاج الفقير الذي اقترض منك، وإذا لم يستطع أن يسدد الدين فيجب أن تعفيه رحمة به وبأسرته الفقيرة.

(9) لا تشهد زوراً على جارك (أي إنسان. أي لا تكذب ولا تمكر أو تخدع أو تزور أو .. الخ).

(10) لا تشتهِ (أي لا تحسد بفكرك، وهذه أصعب وصية) بيت جارك (أي إنسان) ولا زوجته، ولا عبده، ولا أمته ولا ثوره، ولا حماره، ولا شيئاً مما له.

وكسر أية وصية في هذه الشريعة (الأدبية) يُعتبر خطية ضد الله ذاته أولاً وأخيراً، كما قال النبي والملك داود في مزمور 51(: 6) «إليك وحدك (يا رب) أخطأت، والشر قدام عينيك فعلت». والله القدوس، والذي من صفاته الجوهرية العدالة الكاملة لا يمكن أن يتنازل عن حقه الطبيعي والجوهري بالعقاب الأبدي على حساب رحمته الأبدية، ولا يمكن أن يكون رحمان وغفوراً رحيماً دون أن يكون شديد العقاب أولاً، وإلا أصبح إلهاً باطلاً بلا سلطان أو مجرد صنم من الأصنام أو لعبة من لعب الأطفال.

ولذلك كان العقاب (الأرضي) واحداً ويأتي أولاً قبل الرحمة (في العهد القديم) في مخالفة أي واحدة من هذه الوصايا العشر (أي الشريعة)، وهو القطع من مجتمع شعب الله بالرجم أو بالحرق في بعض الأحيان. فمثلاً عندما سرق عخان بن زارح لسان الذهب وأشياء أخرى، نقرأ في (سفر يشوع 7 : 25، 26) ما فعله يشوع (قائد شعب الله بعد موت النبي موسى) وشعب الرب المختار به «فأخذ يشوع وجميع بني إسرائيل عخان بن زارح والفضة والرداء وسبيكة الذهب وأبناءه وبقره وحميره وغنمه وخيمته وكل ما له.. وذهبوا بهم إلى وادي عخور (بالقرب من مدينة أريحا). فرجمهم جميع شعب إسرائيل (وكانوا أكثر من مليونين) بالحجارة مع أهل بيته وأحرقوهم بالنار وأقاموا فوقهم كومة كبيرة من الحجارة».

وكان عقاب الرجم أيضاً لمن عمل واحتطب في يوم السبت المقدس وكسر الوصية الرابعة من الوصايا العشر. وكان نفس عقاب الرجم لأحد الذين سبّوا اسم الله فقط. وبالمثل كان عقاب السرقة والزنى هو الرجم. ومن هذا المنطلق نستطيع أن نستنتج أن في الشريعة الإلهية ليس هناك مكان لأنصاف الحلول مثل قطع اليد في جريمة السرقة والجلد في جريمة الزنى، فالشريعة لا ترضى بأقل من الهلاك الأبدي لأي تعد عليها.

وقد فسر المسيح بعد 1300 سنة من إعطاء الشريعة لموسى أن المقصود منها هو تطبيقها روحياً وفكرياً، فهو كما قال لم يأتِ (من السماء) ليلغي الشريعة بل ليكملها، كما قال في موعظته الشهيرة على الجبل: «لا تظنوا أني جئت لأنقض الشريعة أو الأنبياء، ما جئت لأنقض بل لأكمل. فإني الحق أقول لكم قبل أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة (علي أو تحت حرف) من (هذه) الشريعة حتى يتم كل شيء (أي حتى اليوم الأخير)» (متى 5: 17، 18).

فكل من يكسر أحد هذه الوصايا ولو بفكره فقط يعتبر مجرماً في جميع الوصايا بسبق الإصرار والترصد. وعلى ذلك فهو يستحق الطرح بعيداً عن الله في اليوم الأخير في الظلمة الخارجية وفي بحيرة النار والكبريت إلي أبد الآبدين. فالله روح وهو يتعامل مع الإنسان فكرياً وروحياً فقط. ويقول الإنجيل إن الله الديان العادل سيحاسب الناس في اليوم الأخير الرهيب على أفكارهم أولاً قبل أعمالهم، كما جاء في رسالة (رومية 2: 16) وآيات أخرى. ولا يخفى علينا أن فكر الإنسان هو المصدر والمنبع الرئيسي لكل تصرفات الإنسان من أفكار وأقوال وأفعال. والله يعرف كل أفكار الإنسان من قبل أن يولد، كما قال صاحب المزامير: «يا رب قد اختبرتني وعرفتني (قبل أن أوُلد). أنت عرفت جلوسي وقيامي (قبل أن أولد)، وفهمت فكري من بعيد (أيضاً قبل أن أولد) ..لأنه ليس كلمة في لساني إلا وأنت عرفتها كلها (قبل أن أولد أيضاً)» (مز 139: 1، 2، 4).

وقد فسر المسيح أيضاً هذه الوصايا العشر في العهد الجديد بهذا المعنى المقصود منها، عندما سأله أحد معلمي الشريعة عن أعظم وصية في الوصايا العشر. فأجابه: «إن أول الوصايا هي: اسمع يا إسرائيل، الرب إلهنا رب واحدٌ (أحد). وتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك، هذه هي الوصية الأولى والعظمى. والثانية مثلها (بالضبط) وهي: تحب قريبك (الإنسان) كنفسك. وليس وصية أخرى أعظم من هاتين. وعلى هاتين الوصيتين تقوم الشريعة كلها وتعاليم الأنبياء» (متى 22: 34-40 ومرقس 12: 28-31).

ولذلك فالشريعة الإلهية، سواء في اليهودية أو المسيحية هي في الأصل شريعة المحبة وليست مجرد قوانين وفروض إجبارية محددة.

وأوضح السيد المسيح في موعظته الشهيرة على الجبل ما جاء في اللوح الثاني، وبه ست وصايا إذ قال: «فكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا أنتم أيضاً بهم» (متى 7: 12). وتفسيرها أنه كما أنك تحب أن جميع الناس يعاملونك بالإحسان واللطف والمحبة، وأن يواسوك وأنت حزين أو سجين أو يعالجوك وأنت مريض، وأن يساعدوك وقت المحن والمصاعب، وان يكسوك وأنت عريان وأن يطعموك وأنت جوعان.. فيجب أن تكون أنت البادئ أولاً في فعل تلك الأشياء جميعها مع كل الناس، فتحب قريبك الإنسان (أي إنسان، القريب والغريب والعدو) كما تحب نفسك بالضبط، وهذا هو مبدأ العولمة الذي وصل إليه العالم أخيراً، وهو أن كل الناس في كل العالم اخوة أحباء وعائلة واحدة وعالم واحد ويجب أن يتعاملوا فيما بينهم بكل المحبة والود وأن أباهم واحد وهو الآب السماوي. وهذا بالطبع عكس المبدأ الذي يقول عامل الناس كما يعاملونك هم به، أي بمعنى آخر نعادي من يعادينا ونحب الذين يحبوننا فقط. أو بمعنى آخر: عين بعين وسن بسن، فتحب نفسك وقريبك من أسرتك وقبيلتك فقط، وتكره الآخرين. والذي إن دلّ على شيء فهو يدل على الأنانية وحب الذات والكبرياء، وهذه شريعة الغاب والحيوانات التي سقطت فيها أولاً أمنا حواء ثم أبونا آدم/ فقد أحبا نفسيهما أولاً وفضّلا التمتع بالحرام أكثر من حبهما لله ولنسلهما من بعدهما.

وقد فسر المسيح المحبة المقصودة في الشريعة بهذه المبادئ السامية فقال: «سمعتم أنه قيل عين بعين وسن بسن وأما أنا فأقول لكم: لا تقاوموا الشر، بل من لطمك على خدك الأيمن فأدر له الخد الآخر، ومن أراد محاكمتك ليأخذ ثوبك، فاترك له رداءك أيضاً، ومن سخرك أن تسير ميلاً، فسِر معه ميلين. ومن طلب منك شيئاً فأعطه. ومن جاء يقترض منك فلا ترده خائباً. وسمعتم أنه قيل: تحب قريبك وتبغض عدوك. وأما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم، وباركوا لاعنيكم، وأحسنوا معاملة الذين يبغضونكم. وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم» (متى 5: 38 –44).

ولكن هذا لا يمنع المسيحي المؤمن أن يدافع عن نفسه وعن الحق والعدالة والسلام العالمي بكل الوسائل السلمية والحربية الحديثة. ولكن بقدر الإمكان يكون مسالماً كل الناس إلى أبعد مدى.

وقد قصد المسيح بهذا القول أن يكون الناس محبين للناس جميعاً وأقوياء في السيطرة على أنفسهم وعدم الانتقام من الذين يعتدون عليهم، لأن الانتقام هو مبدأ الضعف الذي نراه سائداً بين الحيوانات والطيور والحشرات والأسماك. ولقد جاء في الإنجيل ما نصح به الله الإنسان المؤمن: «لا تجازوا أحداً عن شر بشر.. لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء، بل أعطوا مكاناً للغضب، لأنه مكتوب: لي النقمة أنا (وحدي) أجازي يقول الله» (رومية 12: 17، 19). وهاتان الوصيتان تعنيان أيضاً أنه عندما يحب الإنسان الله وأخاه الإنسان فهو يعمل على أن لا يؤذي حبيبه بفكره أو أقواله أو أفعاله. وكثيراً ما نرى هذه المحبة في العائلة الواحدة في حب الزوج والزوجة والأبناء بعضهم لبعض.

ونلاحظ من الوصايا الست التي وردت في اللوح الثاني أن كل القوانين والشرائع الأرضية مشتقة منها، وهي تتلخص في أن يحترم الإنسان حقوق الآخرين وأن لا يعتدي عليها. كما نلاحظ أن كل المواثيق الدولية كميثاق الأمم المتحدة وميثاق حقوق الإنسان وميثاق منظمة الصليب الأحمر ومنظمة العفو الدولية وغيرهم من المنظمات التي تسعى إلى احترام حقوق الإنسان ومحبة الإنسان لأخيه الإنسان ومساعدته وعدم التعدي على حقوقه، هي أيضاً مشتقة من هذه الوصايا الست، أي مبدأ المحبة الذي ذكره المسيح، فتحب أخيك الإنسان (بدون فرز) كما تحب نفسك بالضبط. وهو مبدأ العولمة الذي ينادي به العالم اليوم وأيضاً المبدأ الذي سيحكم به المسيح العالم الروحي الجديد في النهاية.

وقد كُتبت هذه الوصايا على ألواح حجرية (وليست على قلوب لحمية) كانت محفوظة ق.م في التابوت الذهبي في قدس الأقداس، وهو أقدس مكان في هيكل سليمان في مدينة القدس لمئات السنين (وهذا هو اللوح المحفوظ الحقيقي). وقدس الأقداس كان أقدس مكان في الأرض كلها ق.م إذ كان يدل على وجود الله بين شعبه. إلى أن هدم وحرق الهيكل بما فيه ولم يبق فيه حجر على حجر سنة 70م على يدي القائد الروماني تيطس (وسيظل كذلك حتى اليوم الأخير). وقد تم هذا كما تنبأ المسيح لليهود في الإنجيل بخراب الهيكل عندما رفضوه في إذ قال: «هوذا بيتكم (أي بيت صلاتكم، أي هيكل سليمان) يُترك لكم خراباً (حتى اليوم الأخير)» (متى 23: 38).

وتنبأ المسيح أيضاً بهذا لتلاميذه عندما سألوه عن أبنية الهيكل العظيمة التي استغرق بناؤها 46 عاماً، فقال لهم: «أترون هذا كله ؟ الحق أقول لكم: لن يُترك هنا حجر على حجر، بل يُهدم كله (وسيبقى كذلك حتى اليوم الأخير)» (متى 24: 2).

وهكذا انقطعت الذبائح الحيوانية من البقر والغنم التي كانت تُقدم صباحاً ومساءً لمئات السنين كل يوم في الهيكل، وحتى يومنا هذا. ولا يزال اليهود يحاولون أن يبنوا الهيكل مرة أخرى ليمارسوا عبادتهم بتقديم الذبائح الكفارية من جديد، فالله كان قد حرم عليهم بشدة تقديم الذبائح الكفارية في أي مكان آخر غير المذبح النحاسي الكبير الموجود في هيكل سليمان في مدينة القدس حيث يوجد القدس وقدس الأقداس. ولكن هذا لن يتم كما تنبأ المسيح، لأن الله العادل لن يقبل أو يسمح بتقديم ذبائح حيوانية كفارية مرة أخرى لغفران الخطايا حسب الشريعة الطقسية اليهودية القديمة، بعد أن قدم المسيح نفسه حباً كذبيحة سماوية كاملة عن الإنسان (فهو الذبح العظيم الحقيقي).

وكانت غرفتي القدس وقدس الأقداس يُعتبران من أجمل الأبنية، ومن عجائب الدنيا ق.م، إذ كانا مغشيين بالذهب الخالص، وكل الأشياء التي كانت بداخلهما إما مُغشاة بالذهب الخالص مثل التابوت ومذبح البخور ومائدة خبز الوجوه، أو مصنوعة من الذهب الخالص مثل الكاروبيم والمباخر والملاعق وملاقط الجمر والكاسات والصحاف والمنارة الكبيرة ذات السبعة أفرع.

وقدس الأقداس هو الجزء الثالث من هيكل سليمان، وكان لا يُسمح بدخوله إلا لرئيس الكهنة من سبط هارون مرة واحدة في السنة. وسُمي هذا اليوم «عيد الغفران» حيث كان ينضح بإصبعه 14 مرة (7+7) من دم الذبائح على غطاء التابوت الذهبي (والذي كان يسمى كرسي الرحمة) المحفوظ به لوحي الشريعة، ليكفر عن نفسه وعن خطايا الشعب كله. ولقد انتهز الجيش المصري الهجوم على إسرائيل (والحرب خدعة بالطبع) في حرب 6 أكتوبر 1973م (العاشر من رمضان 1393هجرية) في هذا العيد المقدس جداً، حيث كان لا يزال يحتفل به الإسرائيليون حتى يومنا هذا، ولكن بالطبع بدون ذبائح كفارية. وهم عادة يتعبدون فقط في هذا اليوم، وهو كان يوم السبت أيضاً، وغير مسموح لهم بالقيام بأي عمل في هذا العيد. اقرأ (سِفر اللاويين 16).

ونلاحظ من هذه الوصايا العشر، أنه لم يستطع أي إنسان منذ آدم وحواء أن يطبقها في حياته ما عدا السيد المسيح، ولكي يحققها الإنسان أثناء حياته كلها، يجب أن يغير الله الإنسان من الداخل. وعندما يأخذ الإنسان بالولادة الجديدة روح الله القدوس، يستطيع أن يطبقها في حياته. ولا زلتُ أذكر المثل الشعبي الذي يُقال عندما يكرر إنسان أخطاءه: «ديل الكلب ما ينعدل أبداً» وهذه حقيقة، فالكلب لا يستطيع أن يعدل ذيله، والنمر لا يستطيع أن يغير رقطه أو طبيعته في افتراس المخلوقات الأخرى، والإنسان لا يستطيع أن يغير لونه أو أخلاقه أيضاً، ولكن الذي يستطيع ذلك بالطبع هو الله وحده فقط.

وكما ذكرنا، الإنسان الطبيعي المولود جسدياً لا يستطيع أن يغير طبيعته بنفسه، لأنه ورث مرض الخطية والعدوان من أبينا آدم. فالوصايا العشر وغيرها من وصايا الله الصالحة كلها مطلوبة ونافعة للناس جميعاً، ليعيشوا في سلام ومحبة. ولكن للأسف كما تقول كلمة الله كل هذه الوصايا كان قصد الله أيضاً منها أن تكون كالمرآة، فهي تعكس لكل إنسان كم هو مقصر، وقبيح، ومريض، ونجس، ويستحق عقاب الله بالموت النفسي والروحي الثاني الأبدي في جهنم النار في اليوم الأخير، وتجعله أيضاً يبحث بشدة إلى طريقة أخرى تغيره تماماً من الداخل، حتى يستطيع أن يطبق هذه الشريعة الإلهية، ويُرضي الله الخالق الذي يحبه.

ومحاولة تطبيق هذه الوصايا حرفياً للأسف لا تقدم العلاج لكل هذه التشوهات والأمراض النفسية. والدليل على أن مرض الإنسان نفسي وروحي أنه لا يستطيع أن يطبق هذه الوصايا في حياته، ولن يستطيع أن يعيش في سلام. هذا ما نراه حادثاً في يومنا هذا. فرغم أنه وصل تقريباً إلى قمة العلم والتقدم والمعرفة والحضارة في كل شيء، ورغم تكوين هيئة الأمم المتحدة في أكتوبر 1945م، بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، ليتفرغ الناس للسلام وتنمية الأرض الجميلة التي أهداها لهم الله مجاناً، فللأسف فلا تزال الحروب مشتعلة ولم تتوقف لحظة واحدة حتى الآن، ولا يزال الإنسان يسعى إلى تدمير نفسه بالحروب التي لا تنتهي، وتدمير الأرض أيضاً معه بواسطة التجارب الذرية، والتي يبدو أنها لن تنتهي خاصة بعد أن رفضت الهند ودول أخرى التوقيع على معاهدة حظر هذه التجارب الخطيرة جداً. ولقد تم حتى الآن 2011 تجربة ذرية (ولقد أجرت الهند وباكستان 11 تجربة ذرية في باطن الأرض في شهر مايو 1998م). وستصبح الأرض عن قريب غير صالحة للحياة لكل المخلوقات الحية من تلوث البيئة من الغازات السامة التي تنتج من السيارات والطائرات والصواريخ العملاقة والمصانع والمعدات الحربية والقنابل المتفجرة، وأيضاً من النفايات الذرية والمواد الكيمائية التي تلقي في الأنهار والبحار، وأيضاً من الانفجار السكاني، وخلافهم.

ولا يخفى علينا ما حدث بعد انفجار المفاعل الذري الرابع في تشرنوبل في أواخر التسعينيات في أوكرانيا والذي سيلوث البيئة لملايين السنين بالإشعاعات الذرية من البلوتونيوم وهو من مشتقات اليورانيوم، ورغم أن أوكرانيا أحاطت هذا المفاعل المنفجر بحائط خرساني عرضه 50م ، ولكن للأسف هذه الطريقة لم تنفع، فقد بدأت الإشعاعات الذرية تتسرب بشكل مرعب مرة أخرى. وليس من المستبعد أن يحدث نفس الشيء في المفاعلات الثلاثة الأخرى في أوكرانيا، وفي مفاعلات أخرى منتشرة في العالم كله. وأيضاً لا يخفي علينا ظاهرة الاحتباس الحراري التي ظهرت أخيراً نتيجة لتصاعد غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو مما زاد من درجة حرارة الأرض بشكل ملحوظ هذه الأيام، والذي سيؤدي إلي ذوبان الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي وارتفاع مستوي البحار وحدوث فيضانات مدمرة في كل الكرة الأرضية، وهو الشيء الخطير الذي كان يخشاه العلماء في مؤتمر كيوتو في اليابان في 1998م. ونحن نرى أن جميع الحكومات تتكلم عن السلام العالمي وتسعى إلى تحقيقه بكل الوسائل، ولكن لا يزال هذا حلماً من الأحلام وحبراً على ورق، ولن يتحقق السلام العالمي طالما أن هذا الإنسان الفاسد يحكم الأرض. ولن يتحقق السلام العالمي إلا بتدخل الله بنفسه أخيراً وطرح الشيطان الذي يضلل العالم في جهنم النار ، وهو كما ذكرنا من قبل رئيس هذا العالم روحياً وفكرياً وهو الذي يسيطر سيطرة كاملة على إرادة الإنسان (خاصة غير المؤمن). أو ينال الناس جميعاً الخلاص بواسطة التبشير. وعندئذ يكتب الله هذه الوصايا في قلوب البشر اللحمية، حتى يستطيعوا أن يطبقوها ويعيشوا في سلام دائم. والخيار الأول هو الذي سيكون كما يقول الكتاب المقدس.

فهكذا نرى من هذه الشريعة الأدبية في الوصايا العشر وغيرها من الوصايا مدى حاجة الإنسان الهالك والمريض إلى طبيب متخصص في الأمراض الروحية والنفسية ليعالجه أولاً، وهذا الطبيب بالطبع هو المسيح الحي القدوس، والموجود الآن في كل مكان وكل زمان بروحه القدوس، كما قال المسيح في (متى 28: 20) «ها أنا معكم (بروحي القدوس) كل الأيام إلى انقضاء الدهر». وهو أيضاً أقرب إليك من حبل الوريد، وينتظر دعوة منك بإخلاص ليأتي ويسكن في قلبك الفكري عندما تصرخ إليه وحده في صلاتك بدون أي وسيط بشري، ليشفيك وينقذك، قبل فوات الأوان وقبل مجيئه على السحاب في يوم الحساب في اليوم الأخير. وهو لن يأتي وقتها كإنسان ضعيف يموت، بل كملك الملوك ورب الأرباب، وسيدينك أولاً على إيمانك به أو رفضك له.

وعندما ينال الإنسان الشفاء من هذه المرض الروحي والنفسي بقبول الإيمان بموت المسيح حباً وفداءً على الصليب بالنيابة عنه، ودفنه في قبر وقيامته من الموت منتصراً عليه في فجر اليوم الثالث من أجله ومن أجل خطاياه الكثيرة والتي لا تحصى، ينال تلقائياً بمعجزة سماوية الروح القدس الذي يعطيه القوة لتطبيق كل هذه الوصايا في حياته الجديدة.

3- علاج الموت بالصليب:

الموت نوعان: موت نفسي روحي، وموت جسدي. وكلاهما يعنيان الانفصال عن الله. والموت النفسي والروحي هو الهام والخطير، وهو يعني الانفصال الأبدي عن روح الله. أما الموت الجسدي فيعني أيضاً انفصال النفس والروح من الجسد الترابي. ولقد كانت نتيجة الخطية موتاً نفسياً روحياً أولاً، ثم موت جسدي. فآدم مات نفسياً وروحياً أولاً والدليل على ذلك أنه لم يمت بجسده في الحال بعد اقترافه الخطية وسرقته من الشجرة المحرمة. بل مات جسدياً بعد أن عاش على الأرض 930 سنة. وطوال هذه الفترة الطويلة التي عاشها لم نقرأ أن الله اتصل به روحياً وتكلم معه مرة أخرى. وتوجد آيات كثيرة في الإنجيل تدل على أن الموت النفسي والروحي هو الهام في نظر الله ، فقال الرسول بولس للمؤمنين الأحياء في(أفسس 2: 1) «وأنتم إذ كنتم أمواتاً (روحياً) بالذنوب والخطايا». وفي (يوحنا 11: 25-26) قال المسيح لمرثا أخت لعازر، الذي كان قد مات وظل في القبر أربعة أيام، ثم أقامه من الموت بعد أن أصبح رمَّه كريهة: «أنا هو القيامة والحياة. من آمن بي ولو مات (جسدياً) فسيحيا (بجسد روحاني في اليوم الأخير). وكل من كان حياً وآمن بي (وبفدائي) فلن يموت (روحياً مرة أخرى)، إلى الأبد». وفي (يوحنا 8: 24) قال المسيح لمحاوريه من اليهود:«ستموتون في خطاياكم لأنكم إن لم تؤمنوا بأني أنا هو (كلمة الله المتجسد)، ستموتون (روحياً) في خطاياكم». وأراد أحد التلاميذ أن يتبع المسيح، ولكنه قال: «يا سيد، اسمح لي أن أذهب أولاً فأدفن أبي». فأجابه المسيح: «اتبعني الآن، ودع الموتى (بالروح) يدفنون موتاهم» (متى 8: 21، 22)

والسؤال كيف عالج الله الموت الروحي والجسدي بالفداء على الصليب؟

ولأجل تعليمنا نقرأ ما جاء في (متى 27: 45، 46، 50) ترجمة تفسيرية حديثة: «ومن الساعة الثانية عشرة ظهراً إلى الساعة الثالثة بعد الظهر، حل الظلام على الأرض كلها، ونحو الساعة الثالثة صرخ المسيح (فوق الصليب) بصوت عظيم: إيلي إيلي، لما شبقتني؟ أي: إلهي إلهي، لماذا تركتني؟ وصرخ يسوع مرة أخرى بصوت عظيم وأسلم الروح».

ونقرأ نفس الكلام تقريباً في (لوقا 23: 44 –46) «نحو الساعة الثانية عشرة ظهراً حل الظلام على الأرض كلها حتى الساعة الثالثة بعد الظهر. وأظلمت الشمس، وانشطر ستار الهيكل (من فوق بين القدس وقدس الأقداس) من الوسط، وقال يسوع صارخاً بصوت عظيم: (بعد ثلاث ساعات): يا أبي، في يديك أستودع روحي! وإذ قال هذا أسلم الروح».

وهنا نرى حلول الظلام الدامس بسبب خطايا العالم كله لفترة ثلاث ساعات على الأرض كلها، وكان هذا يوم الجمعة (اليوم السادس من أيام الأسبوع) حوالي سنة 30م تقريباً، بينما كان المسيح مسُمراً على الصليب لمدة ست ساعات من الساعة التاسعة صباحاً حتى الثالثة بعد الظهر، حاملاً على نفسه كل خطايا العالم عبر التاريخ والمستقبل كله، رغم أنه كان نور العالم كما قال عن نفسه (يوحنا 8: 12) محتملاً العذاب الكبير في محبة عظيمة مضحية للإنسان المجرم، وفي وقت كان فيه، وهو الإنسان الوحيد القدوس والطاهر والذي كان لا يمكن أن يرتكب خطية واحدة، ولا يستحق هذا العذاب النفسي والجسدي الشديدين ولا يستحق الموت أيضاً، ولكن في الحقيقة حباً فيك وفي العالم كله، أراد أن ينوب عنك وعن كل البشرية في الموت (المؤقت) بهذه الطريقة الفظيعة حتى يوفي العدالة الإلهية أولاً.

والموت النفسي (أي الانفصال النفسي فقط ولكن الروح لم تمت، وهذا سر إلهي) كان لفترة قصيرة جداً، هي ثلاث ساعات، ثم أسلم المسيح نفسه وروحه الخالدتين لله الآب. وأما الموت الجسدي فكان لفترة 3 أيام فقط، ثم قام من الأموات في فجر اليوم الثالث يوم الأحد، منتصراً على الموت الأبدي والشيطان نهائياً إلي الأبد، لأنه كان قد قال أنا هو الحياة في بشارة يوحنا (أصحاحي 11، 14). وهكذا أثبت المسيح أن الموت الأبدي لا يمكن أن ينتصر عليه.

فتعال نهتف معاً لأجل محبة الله الآب والله الابن (كلمة الله المتجسد). فبموت المسيح وقيامته في فجر اليوم الثالث من الأموات تم الانتصار على الموت نهائياً. ولن يموت المسيح مرة أخرى. وآخر كلمات المسيح السبع، له المجد على خشبة الصليب كانت «.. قد أكمل .. (أي أن الفداء قد تم، وكل دَيْن الموت الأبدي قد سُدد بالكامل)» (يوحنا 19: 30).

وهكذا يكون المسيح الحي المنتصر على الموت الأبدي والذي لن يموت مرة أخرى هو وحده له كل المجد والعظمة والسلطان إلى أبد الآبدين الذي ينقذ الإنسان من دينونة الله العادلة. وهكذا نحن بالإيمان نقوم من الموت الروحي ونأخذ بمعجزة سماوية روحاً جديدة إلهية. وهذه قد تُسمى القيامة الأولى من الأموات! ثم ونحن بالإيمان أيضاً نكون واثقين أن أجسادنا ستحيى مرة أخرى بعد الموت الجسدي في اليوم الأخير. وسيأخذ المؤمنون الذين ماتوا من قبل، والأحياء الباقون حتى اليوم الأخير أجساداً روحية سماوية خالدة، في لحظة في طرفة عين، وليس فيها لحم أو دم كما جاء في (كورنثوس الأولى 15: 50)، وهذه قد تسمى القيامة الثانية من الأموات!.

ملاحظات هامة:

(1) نلاحظ بعد ذبح وسلخ وحرق الذبائح الحيوانية الكفارية (القرابين)، أنها تهلك وتتناثر كالرماد في الهواء بعد حرقها كاملاً ولا ترجع إلى الحياة مرة أخرى. وهذا رمز للهلاك الأبدي. أما بعد ذبيحة المسيح الكفارية فقد رجع المسيح إلى الحياة مرة أخرى، فانتصر على الموت والهلاك الأبدي، ورآه مئات الشهود بعد قيامته من بين الأموات، ومكث أربعين يوماً على الأرض يعلم تلاميذه ويظهر لكثيرين، حتى صعد إلى السماء من جبل الزيتون القريب من مدينة القدس أمام شهود عيان كثيرين. فالذبائح الحيوانية كانت تتكرر ملايين المرات قبل مجيء المسيح، لأنها لم تكن كافية للكفارة النهائية عن الإنسان. أما ذبيحة المسيح الكفارية، فقد كانت كافية كفاية تامة ونهائية وأرضت عدالة الله. وفي نفس الوقت أعطت الإنسان الذي يؤمن بهذه الكفارة رجاءً وأملاً في أنه سيقوم من الأموات بجسد روحاني في اليوم الأخير، ويأخذ حياة أخرى جديدة تبدأ ولا تنتهي أبداً.

(2) والمؤمن بخلاص المسيح يموت مرتين فقط: موتاً نفسياً روحياً أخذه بالوارثة من آدم وحواء ثم موتاً جسدياً. أما غير المؤمن فيموت ثلاث مرات: موتاً نفسياً روحياً وراثياً من أبينا آدم، ثم موتاً جسدياً، ثم موتاً نفسياً روحياً ثانياً أبدياً (والذي يعني الانفصال النفسي والروحي الأبدي عن رحمة الله في جهنم النار وفى البحيرة الملتهبة بالنار والكبريت والتي ليس لها قرار وفي ظلام دامس وحيداً وبعيداً عن نور الله). وما أصعب أن يكون الإنسان وحيداً بلا أنيس في الظلام الأبدي في جهنم النار، وفي إحدى السُدم المظلمة جداً BLACK HOLES ويوجد آلاف الملايين من هذه السدم المظلمة في الكون، وسيكون في أشد العطش كما عطش المسيح على الصليب.

وهذا الإيمان هو ما جعل بولس الرسول يقول إن الموت الجسدي هو ربح (فيلبي 1: 21) لأنه كان قد نال الحياة الروحية أولاً بالإيمان، ولن يموت روحياً مرة ثانية. وقال أيضاً: «لي اشتهاء أن أموت (جسدياً) وأنطلق وأكون مع المسيح (بروحي) ذاك أفضل جداً» (فيلبي 1 : 23).

ولأجل تعزيتنا لنقرأ معاً (تسالونيكي الأولى 4: 13-18) «لا أريد أن تجهلوا أيها الإخوة (المؤمنين) من جهة الراقدين لكي لا تحزنوا كالباقين (غير المؤمنين) الذين لا رجاء لهم، لأنه إنْ كنا نؤمن أن يسوع مات وقام (في اليوم الثالث من الأموات) فكذلك الراقدون بيسوع سيحضرهم الله أيضاً معه. فإننا نقول لكم هذا (واثقين) بكلمة الرب: إننا نحن الأحياء الباقين إلى مجيء الرب (في اليوم الأخير) لا نسبق الراقدين، لأن الرب (المسيح) نفسه بهتاف، بصوت رئيس ملائكة، وبوق الله، سوف ينزل من السماء، والأموات في المسيح سيقومون أولاً (بأجساد روحية). أما نحن الأحياء الباقين بعد أن نأخذ أجساداً (روحية سماوية) في لحظة في طرفة عين، سنُخطف جميعاً معهم في السحب لملاقاة الرب يسوع المسيح في الهواء، وهكذا نكون كل حين مع الرب. لذلك عزوا بعضكم بعضاً بهذا الكلام».

وهكذا قد يكون الإنسان حياً بالجسد ولكن هو في الحقيقة ميت روحياً مثل كل الناس الذين لم يؤمنوا. أما الذي يؤمن فينال الحياة الروحية الجديدة أولاً، ويكون في ثقة تامة أنه سيقوم من الموت الجسدي في اليوم الأخير بجسد روحاني. وعندما يموت المؤمن جسدياً ينتقل بنفسه وبروحه الجديدة في الحال إلى الفردوس (وهو مكان انتظار أرواح المؤمنين) ليكون مع المسيح في سعادة، وفي رفقة القديسين الذين ماتوا من قبل مثل أبينا إبراهيم الخليل، وإسحاق ويعقوب (أي إسرائيل) وموسى وداود و .. الخ. وهو في انتظار اليوم الأخير. ثم ينتقل بدون دينونة في اليوم الأخير إلى ملكوت الله الأبدي السعيد. وسيتمتع جميع المؤمنين بالسعادة الأبدية كما وعد الله القدوس «وسمعت صوتاً عظيماً من السماء قائلاً: هوذا مسكن الله مع الناس. وهو سيسكن معهم وهم يكونون له شعباً والله نفسه يكون معهم إلهاً لهم. وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم، والموت لا يكون في ما بعد، ولا يكون (هناك) حزن ولا صراخ ولا وجع ولا مرض في ما بعد لأن الأمور الأولى قد مضت. وقال الجالس على العرش: "ها أنا أصنع كل شيء جديداً!" وقال: اكتُبْ، فإن هذه الأقوال صادقة وأمينة. ثم قال لي: قد تمّ. أنا هو (كلمة الله) الألف والياء والبداية والنهاية. أنا أعطي العطشان من ينبوع ماء الحياة (أي كلمة وروح الله) مجاناً. من يغلب (ويجاهد روحياً) يرث كل شيء (مع المسيح) وأكون له إلهاً وهو يكون لي ابناً» (رؤيا 21 :3-7).

وعندما يموت غير المؤمن ينتقل بروحه في الحال إلى ما يُسمى بالهاوية (وهو مكان انتظار غير المؤمنين)، ويكون في عذاب شديد وفي هاوية لا قرار لها وعطش شديد (كما كان المسيح معلقاً في الهواء بين السماء والأرض) انتظاراً لليوم الأخير، الذي فيه يُطرح في بحيرة النار والكبريت المعدة لإبليس وجنوده وأتباعه من الناس إلى أبد الآبدين، حيث البكاء وصرير الأسنان الأبدي من الندم والعذاب الشديد.

(3) الموت الجسدي محتم على كل إنسان كما حكم به الله عقاباً لآدم ونسله كما أمر الله: «.. حتى تعود إلى الأرض (يا آدم) لأنك أُخذت من تراب، وإلى التراب تعود» (تكوين 3: 19). أما موت النفس والروح الخالدتين فسيحكم به المسيح في مجيئه الثاني في اليوم الأخير. وهذا سيكون على حساب الإيمان به أو رفضه. ولقد قال النبي والملك داود في (مزمور 32 : 1، 2) «طوبى للإنسان (الخاطئ) الذي غُفر إثمه وسُترت خطيته (بدم المسيح)، ولن يحسب الله له خطية (منذ إيمانه وفي اليوم الأخير)». فالسعادة الحقيقية لأي إنسان هنا على الأرض هو أن يكون في يقين أنه بعد أن يموت ويُوارى جسده التراب، لن يذوق الموت الروحي وأن روحه ونفسه الخالدتين واللتين لا تفترقان أبداً منذ الولادة، سواء هنا على الأرض أو في الحياة الأبدية، ستكونان في اليوم الأخير مع الله في ملكوته السعيد الأبدي، وليستا مع الشيطان في جهنم النار الأبدية.

(4) وتنبأ المسيح القدوس عن طريقين وبابين لا ثالث لهما سيسلك منهما الناس في اليوم الأخير وقال: «ادخلوا من الباب الضيق! فإن الباب المؤدي للهلاك (الأبدي في جهنم النار) واسع وطريقه رحب، وكثيرون (جداً) هم الذين يدخلون منه. (ولكن) ما أضيق الطريق المؤدي إلى الحياة الأبدية (في ملكوت الله) وقليلون (جداً) هم الذين يهتدون إليه» (متى 7: 13). فمن أي طريق ستسلك ومن أي باب ستدخل أنت أيها القارئ العزيز؟ ولماذا لا تستمع لنصيحة المسيح الحي وتدخل من الباب الضيق؟

إلى الفصل الأول إلى الفصل الثالث

إلىالأعلى

الى فهرس الكتب | الى الكتاب المقدس | الى مجلة النعمة | الى صفحة البداية | للمراسلة