الله ظهر في المسيح

مزمور 68: 18 "صعدت الى العلاء, سبيت سبيا, قبلت عطايا بين الناس ,...ايها الرب الإله (أي يهوه إيلوهيم)" .

والكلام موجه من كاتب المزمور داود, الى شخص الله القدير, الرب الإله.وقد وجه الرسول بولس هذا الكلام قاصدا به شخص السيد المسيح, الابن الأزلي, ففي رسالته الى افسس 4: 7 - 11 , نجد: "اذ صعد (الرب الإله) الى العلاء, سبى سبيا, واعطى الناس عطايا, واما انه صعد, فما هو إلا انه نزل ايضا اولا الى اقسام الارض السفلى (اي تجسّد وجاء الى العالم), الذي نزل هو الذي صعد ايضا فوق جميع السموات ليملأ الكل, وهو اعطى البعض ان يكونوا رسلا..." .لم يكن داود هو الذي صعد الى العلاء وسبى سبيا, وقبل ان يعطي الناس عطايا وان يعطي سكنا للمتمردين, كما لم يكن داود هو المسمى: الرب الإله.بل كان داود هو الذي يحمد الله على اعماله العظيمة, كما قال بطرس الرسول في اعمال الرسل 2: 25و29 - 34 "لان داود يقول فيه(في المسيح) : كنت ارى الرب (يهوه) امامي في كل حين انه عن يميني فلا اتزعزع...ايها الرجال الاخوة, يسوغ ان يقال لكم جهارا عن رئيس الآباء داود انه مات ودفن, وقبره عندنا حتى هذا اليوم, فإذ كان نبيا رأى وتكلم عن قيامة المسيح, فيسوع هذا ارتفع ... لأن داود لم يصعد الى السموات...".فالذي صعد الى السموات والى العلاء وسبى سبيا وسمي الرب الإله, هو المسيح الذي نزل اولا الى اقسام الارض السفلى, كما يقول بولس في افسس , وهو الذي نزل الىالهاوية ليخلص نفوس المأسورين, (رومية10: 6و7 "لا تقل في قلبك من يصعدالى السماء اي ليحدرالمسيح,او من يهبط الى الهاوية اي ليصعد المسيح من الاموات", مزمور 139 :7و8 ان صعدت الى السموات فانت هناك, وان فرشت في الهاوية فهاانت, اين اذهب من روحك ومن وجهك اين اهرب?" مزمور49: 15 "انما الله يفدي نفسي من يد الهاوية لانه يأخذني.") والله في المسيح هو الذي صعد فوق جميع السموات, كما في عبرانيين 4: 14 "لنا رئيس كهنة عظيم قد اجتاز السماوات: يسوع ابن الله", لكي يملأ الكل, كما في يوحنا 1: 16 "ومن ملئه نحن جميعا اخذنا", وهو اعطى البعض ان يكونوا رسلا (لوقا 6: 13 "دعا تلاميذه واختار منهم اثني عشر الذين سمّاهم رسلا") ; وإذ يسأل أجور في امثال 30: 4 " من صعد الى السموات ونزل...ما اسمه وما اسم ابنه ان عرفت?" يجيبه الوحي انه الله الآب والابن والروح القدس , الرب الإله المتجسد الذي تكلم عنه داود وبطرس وبولس .

2 - مزمور 110: 1 "قال الرب (يهوه) لربي(أدوناي): اجلس عن يميني حتى اضع اعداءك موطئا لقدميك". وهذا المزمور ايضا لداود وقد ميّز بالايمان بالله, ان الله ليس أقنوما واحدا, بل جوهر واحد, وآب وابن (وروح قدس ). فالآب متمثل بعبارة "الرب" الاولى (يهوه) , والابن متمثل بعبارة "الرب" الثانية (ادوناي) - وادوناي,التي تعني الله السيد, هي مرادفة ليهوه, وقد كانت تقرأ كلمة "يهوه" ادوناي, عندما يصل القارئ اليها - وأما جلوس الابن عن يمين الآب, فهذا لا يعني انفصالا او تركيبا, بل يعني العظمة والسلطان والقدرة, (عبرانيين 8: 1 "جلس في يمين عرش العظمة في السموات", عبرانيين 12: 2 "جلس في يمين عرش الله", بطرس الاولى 3: 22 "الذي هو في يمين الله,اذ قد مضى الى السماء وملائكة وسلاطين وقوات مخضعة له",), كما نجد معنى اتحاد الآب بالابن وليس الانفصال او التركيب, وذلك من قول داود: "قال الرب (الآب) لربي (للإبن), اجلس عن يميني... "ثم يتابع داود في الآية5: "الرب (الآب) عن يمينك (عن يمين الابن)" . فكيف يكون الابن عن يمين الآب في الآية الاولى, وهو اي الآب عن يمين الابن في الآية الخامسة? انما هذا هو احد معاني الاتحاد الإلهي بين الأقانيم في اللاهوت, حيث لا يمين ولا يسار, لا قبل ولا بعد, لا فوق ولا تحت, بل الله واحد متساو في أقانيمه في الجوهر والذات والصفات الإلهية الكاملة.

وقد اقتبس السيد المسيح كلمات هذا المزمور في تعجيزه للفريسيين الذين ابوا ان يقبلوا رسالته, وذلك في انجيل متى 22: 41 - 46 "سألهم يسوع:... كيف يدعو داود (المسيح) بالروح (بالروح القدس ) ربا, قائلا: قال الرب لربي اجلس عن يميني... فان كان داود يدعوه ربّا فكيف يكون ابنه?" واذ لم يستطع الفريسيون تقديم كلمة جواب, نجد نحن المؤمنون الجواب من الوحي, ان المسيح الذي هو الله السيد (ادوناي) ورب داود, هو ايضا ابن داود بحسب الجسد,اي بتجسده من مريم العذراء بنت داود,

فالمسيح هو ابن الله الأزلي وابن الانسان الكامل والوسيط الوحيد بين الله والناس ,(رومية 1: 1 - 4 "..الله الذي سبق فوعد به (بالمسيح) بانبيائه في الكتب المقدسة, عن ابنه الذي صار من نسل داود من جهة الجسد, وتعيّن ابن الله بقوة من جهة روح القداسة في القيامة من الاموات"). وقد اكّد الرسول بطرس ان الله السيد (ادوناي) الذي دعاه داود ربه, ما كان إلا شخص المسيح الرب, فيقول بطرس في اعمال الرسل 2: 34 - 36 "ان داود لم يصعد الى السموات, وهو نفسه يقول: قال الرب لربي اجلس عن يميني... فليعلم يقينا جميع بيت اسرائيل ان الله جعل يسوع... ربّا ومسيحا". فالمسيح هو الرب لمجد الله الآب, لانه واحد مع الآب والروح القدس , الله الرب السيد, (فيلبي 2: 10 "يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب"). فالذي تكلم عنه بولس في فيلبي, والذي رآه بطرس , والذي كتب عنه داود , كان ربّهم, وادوناي اي الله السيد,المتحد مع الآب والروح القدس الذي تكلم في داود وبطرس وبولس .

3 - اشعياء 10: 12 "فيكون متى اكمل السيد (ادوناي) كل عمله في جبل صهيون وباورشليم اني اعاقب ثمر عظمة ملك اشور وفخر رفعة عينيه... والآية 16و17 لذلك يرسل السيد (ادوناي) سيّد الجنود على سمانه(سمان ملك اشور) هزالا ويوقد تحت مجده, ويصير نور اسرائيل نارا وقدوسه لهيبا, فيحرق ويأكل حسكه وشوكه (ملك اشور) في يوم واحد ...".

يتكلم اشعياء عن الله السيد الذي يكمل عمله في جبل صهيون وباورشليم, ثم يتكلم عن هذا الله السيد في الآية 16 موضحا ان هذا السيد هو سيد الجنود. ولكن صيغة المتكلم في "اني اعاقب" لا تعود ابدا لإشعياء , فالذي يعاقب ثمر عظمة ملك اشور وفخر رفعة عينيه ليس سوى الله وحده الذي يصير نارا ولهيبا ويحرق ويأكل حسك ملك اشور وشوكه في يوم واحد. فنرى دلالة واضحة على الأقنومين في اللاهوت, فالاول هو السيد سيد الجنود والثاني هو النور الذي يصير نارا (يوحنا1: 9 و8: 12 مع رؤيا 1: 14و16 "النور الحقيقي, نور العالم, نور الحياة, عيناه كلهيب نار وجهه كالشمس ") وهو القدوس (لوقا 35 :1ورؤيا 3: 7 "القدوس , القدوس الحق") الذي يعاقب ويجازي ويدين, ليس ملك اشور وحسب بل كل الاحياء والاموات (مرقس 1: 24 "يا يسوع الناصري... انت قدوس الله" لوقا 3: 16و17 "هو سيعمدكم بالروح القدس ونار الذي رفشه في يده وسينقي بيدره ويجمع القمح الى مخزنه, واماالتبن فيحرقه بنارلا تطفأ ") وهو الذي يحرق التبن والحسك والشوك بلهيب ناره

التي لا تطفأ في يوم واحد هو يوم الدينونة (اعمال الرسل 10: 41 و17: 31 "هذا هو المعيّن من الله ديانا للاحياء والاموات, لانه اقام يوما هو فيه مزمع ان يدين المسكونة بالعدل,برجل (المسيح,الكلمة الأزلي - ابن الانسان) قد عيّنه... متى 25 41: ثم يقول (ابن الانسان) للذين عن اليسار: اذهبوا عني يا ملاعين الى النار الابدية المعدّة لابليس وملائكته.) فالذي يعاقب ملك اشور وهو النور الذي يصير نارا والقدوس الذي يصير لهيبا فيحرق اعداءه في يوم واحد, هوالله الابن -المسيح ابن الانسان, الأقنوم الثاني في اللاهوت. والذي يكمل كل عمله في جبل صهيون وباورشليم ويرسل هزالا على سمان ملك اشور فيوقد تحت مجده هو السيد (أدوناي) سيد الجنود الله الآب. وما هذا التمييز بين الأقنومين إلا دليل الاتحاد في نفس العمل والهدف, وفي ذات الجوهر الواحد, له كل المجد.

كما نقرأ في اشعياء 14: 24 - 27 "قد حلف رب الجنود...ان احطم اشور في ارضي... هذا هو القضاء المقضي به على الارض , على كل الامم فان رب الجنود قد قضى...", فنجد ان رب الجنود هو الذي يحطم اشور, وهو الذي يقوم بالقضاء والدينونة على كل الامم, فرب الجنود هو شخص الله الابن الذي يحطم ويعاقب اشور وكل الامم. وفي اشعياء 10: 24 -27 نجد نفس الرسالة في ان رب الجنود السيد (الآية 24) يدعو شعبه ان لا يخاف من اشور, لانه بعد قليل يأتي رب الجنود ويقيم عليه سوطا ويتلف نيره. فالسيد رب الجنود (الآب)الذي دعا شعبه لعدم الخوف, وعدهم بقيام رب الجنود (الله الابن) ومعاقبة اشور وإزالة حمله وإتلاف نيره.

4 - دانيال 9: 3 - 19 , في هذاالمقطع الكتابي, نجد صلاة دانيال النبي المحبوب التي وجهها الى الله لكي يصرف سخطه وغضبه عن الشعب (الآية 16) . ومن الواضح جدا ان دانيال النبي كان يعي تماما معنى صلاته وكيفية توجيهها الى الله العلي, فاستهلها بالقول: "فوجهت وجهي الى الله السيد طالبا بالصلاة...وصليت الى إلهي, وقلت:ايها الرب الإله العظيم المهوب حافظ العهد والرحمة. ..."; وإذ كان دانيال يصلي كان يدعو الله ويقول: "أيها السيد",وهذا واضح في الآيات:3 "الى السيد", 7 "لك يا سيد البر", 8 "يا سيد" , 15 "والآن ايها السيد إلهنا", 16 "يا سيد", 19 "يا سيد اسمع, يا سيد اغفر, يا سيد اصغ واصنع".

فالذي وجه اليه دانيال الصلاة كان السيد الله إلهه; والذي يسمع ويصغي ويجيب, وأما الواضح في مجال تأملاتنا, فهو خاتمة صلاة دانيال المشفوعة بالله الابن - السيد المسيح, تماما كما يعلّم الوحي في توجيه الصلاة في العهد الجديد; فقد قال دنيال في صلاته في الآية 17: "فاسمع الآن يا إلهنا (الآب) صلاة عبدك وتضرعاته, وأضىء بوجهك على مقدسك الخرب من اجل السيد, (الله الابن - السيد المسيح)" . فالسيد المسيح الذي كان وسيط وشفيع دانيال في صلاته الى الله السيد, كان تعبير الله عن مراحمه العظيمة, بقول دانيال في الآية 18 "أمل اذنك يا إلهي واسمع...لأجل مراحمك العظيمة", كما كان السيد المسيح تعبير الله عن

نفسه واسمه, بقول دانيال في الآية 19 "يا سيد اسمع...من اجل نفسك يا إلهي لأن اسمك دعي (علينا)".

نعم, وجهدانيال صلاته الى الله السيد سائلا وطالبا ان يستجيبه من اجل السيد (الابن) الذي هو تعبير الله عن نفسه واسمه ومراحمه العظيمة. وقد كان شخص السيد المسيح - الابن الشفيع والمخلّص , معروفا لدى دانيال, وهذا واضح من اعلانات الله المتعددة لدانيال عن شخصه, لا سيما في نفس الاصحاح التاسع والآيات من 20 الى 27 , فنقرأ: "وبينما انا اتكلم وأصلي...إذا بالرجل جبرائيل (الملاك)...لمسني وقال: اني خرجت الآن لاعلّمك الفهم وانا جئت لأخبرك لأنك أنت محبوب: سبعون اسبوعا قضيت على شعبك, لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ولكفارة الإثم,وليؤتى بالبر الأبدي ولختم الرؤيا والنبوة ولمسح قدوس القدوسين... فالى المسيح الرئيس ...وبعد... يقطع المسيح..." وفي اعلان الله هذا لدانيال عن شخصه بواسطة الملاك جبرائيل, كان يزداد دانيال اقتناعا بان السيد المسيح هو الرئيس ,وهو قدوس القدوسين وهوالكفارة للإثم والخطايا والمعصية وهو البر الأبدي الآتي وهو خاتمة الرؤيا والنبوة... وما لهذه الصفات والاعمال إلاان تكون لله السيد الشفيع والمخلص ,فصلى دانيال الى الى الله(الآب) من اجل السيد (المسيح) اي بشفاعته, مؤمنا بان الله المتجسد في المسيح هو الكفارة والفداء وهو الذي سيقطع ويموت فدية لخلاص البشر, وهوالذي فيه البر الابدي والذي يبرر الخطاة. فكم نحتاج الى ايمان دانيال في ما اعلنه الله له?! فقد مات المسيح لاجل خطايانا وأقيم لاجل تبريرنا(رومية 21 - 26 :3 ,و4: 25), وقدآمن دانيال بهذه الحقيقة, تماما كما يعلم الوحي في العهد الجديد (رومية 15: 30 "فأطلب اليكم ايها الاخوة بربنا يسوع المسيح وبمحبة الروح (القدس ) ان تجتهدوا معي في الصلوات من اجلي الى الله." فقد طلب الرسول بولس من المؤمنين في رومية ان يدعموه بالصلاةالى الله بواسطة يسوع المسيح وبمحبةالروح القدس ), وايضا (افسس 2: 18 "لان به(بالمسيح) لنا كلينا(البعيدون والقريبون) قدوما في روح واحد الى الآب).لقد آمن دانيال ان الصلاة توجّه الى السيد الله إلهه بواسطة السيد (المسيح) الذي هو تعبير الله عن ذاته ومحقق اعمال وفكر الله في الخليقة والانسان, في تجسّده بين البشر. وقد رأى دانيال هذه الحقيقة عندما أعلنها في الاصحاح السابع:13و 14 "كنت أرى مع رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن انسان أتى وجاءالى القديم الايام (الله, الآية 9و10) فقربوه قدامه, فأعطي سلطانا ومجدا وملكوتا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والالسنة, سلطانه سلطان ابدي ما لن يزول, وملكوته ما لا ينقرض ". وقد كان ابن الانسان شخص السيد المسيح, كلمة الله وتعبيره الكامل, فبالقول "اتى وجاءالى القديم الايام",لا يعني الانفصال عن الله بل اظهارعمل التجسدالإلهي ورضى الله على هذاالتجسد, وبالقول"فقربوه قدامه",لايعني الانتقاص من مستوى الابن الأزلي المتجسد بل بالحري تكريمه إذ لم يوجد من يستطيع ان يقترب او يدنو من ذات الله فيحقق مشيئته كاملة. فجاء تعبير الله المتجسد

(إرميا 30: 21 "ويكون حاكمهم منهم ويخرج اليهم من وسطهم وأقربه فيدنو الي, لأنه من هو هذاالذي ارهن قلبه ليدنوالي يقول الرب?", فلم يكن ممكنا لاي انسان ان يقرب ويدنو إلى الله إلا شخص الابن الأزلي الذي تجسد وجاء من نسل داود من مريم العذراء فكان الحاكم من الشعب والوالي من وسطهم وعليهم.). والقول "أعطي سلطانا ومجدا وملكوتا "لا يعني إعطاء من لم يكن معه او عنده, بل إظهار امتلاك ابن الانسان لسلطان الله ومجده وملكوته, بدليل تعبّد كل الشعوب والأمم والألسنة له, وبدليل ان

سلطانه أبدي وملكوته خالد (بالمقارنة مع الآية 27 "...قديسي العلي (الذي) ملكوته ملكوت ابدي وجميع السلاطين إياه يعبدون ويطيعون", ومع 6: 26 "لأنه هو الإله الحي القيّوم الى الابد, وملكوته لن يزول وسلطانه الى المنتهى", ومع بطرس الاولى 3 : 21و22 "...يسوع المسيح الذي هو في يمين الله إذ قد مضى الى السماء وملائكة وسلاطين وقوات مخضعة له"). لقد اعلن الله نفسه لأنبيائه, ولدانيال النبي, بأنه السيد الله العلي الذي قدّم للبشر كامل تعبيره في أقنوم الكلمة - الابن الأزلي, الذي تجسّد وكان ابن الله - ابن الانسان, فصلى دانيال الى الله طالبا استجابته من أجل السيد (المسيح) فاستجيب طلبه, وأعلن له الكثير وتنبأ عن السيد المسيح, وعن آخر الايام. ومن النبي دانيال الى موسى الذي آمن بالله العلي المحتجب بذاته اللامحدود, والمعلن بتعبيره الكامل ايضا.

5 - خروج 34: 5و6 "فنزل الرب في السحاب. فوقف عنده (عند موسى) هناك, ونادى باسم الرب. فاجتاز الرب قدامه, ونادى الرب:ýالرب إله رحيم ورؤوف بطيء الغضب وكثير الاحسان..." . تدل هذه الكلمات بوضوح على جوهر الله الجامع في أقانيمه المتحد في ذاته. فلنا في هاتين الآيتين إشارتان للآب والابن المتحدين في جوهر اللاهوت, كالذات والتعبير الإلهي,في روح الحياة. فالذي نزل في السحاب ووقف عند موسى ونادى باسم الرب (الآب), والذي اجتاز قدام موسى ونادى قائلا: "الرب إله رحيم...", كان تعبير الله شخص الرب - الابن الأزلي - كلمة الله المتجسّد الذي يعلن فكر الله وتعبيره الكامل.

ونستطيع قراءة هاتين الآيتين هكذا: "فنزل تعبير الرب (الابن) في السحاب, فوقف عند موسى هناك, ونادى تعبير الرب (الابن) باسم ذات الرب (الآب) هذه هي الاشارة-الاولى فاجتاز الرب (الابن) قدام موسى ونادى الرب (الابن):الرب (الآب) إله رحيم ورؤوف بطيء الغضب وكثير الاحسان..." هذه هي الاشارة الثانية -. فقد آمن موسى بالله المحتجب الذي لا يمكن لأحد ان يراه, (خروج33: 20 "لأن الانسان لا يراني ويعيش "); كما آمن موسى كذلك بالله المتجسّد المعبّر عن الذات الإلهية, الذي ينزل الى البشر ويكلّمهم ويجتاز أمامهم وينادي لهم باسم الله الرحيم الرؤوف, (خروج 24: 9 - 11 "ثم صعد موسى وهرون وناداب... ورأوا إله اسرائيل, وتحت رجليه شبه صنعة من العقيق الأزرق الشفاف, وكذات السماء في النقاوة, ولكنه لم يمد يده إلى اشراف بني اسرائيل, فرأوا الله وأكلوا وشربوا"). لقد اعلن الله لموسى أنه الإله المحتجب الذي لايمكن للانسان المحدودأن يدرك ذاته اللامحدودة; كما اعلن الله لموسى انه الله القادر ان يعبر عن نفسه فيتجسّد ويقترب الى الإنسان, فيراه ويجلس معه, ويأكل ويشرب. في هذين الإعلانين ليس من تناقض ابدا, بل تكميل للحقيقة. فالله من جهة ذاته, لا يحد ولا يرى ولا يدركه البشر; والله من جهة تعبيره, قادر على التجسّد, كالوسيلة الوحيدة, لكي يدرك الإنسان اعلان الله الكامل عن ذاته. وقد تمنى موسى ان يرى الله ومجده, لكن الله قال له أنه لا يمكن للإنسان أن يراه ويعيش , على ان الله وجد لموسى وسيلة ومكانا, يعلن له فيه عن تعبير ذات الله ومجده. فاستطاع موسى ان يرى الله وجها لوجه, ويكلّمه كما يكلم الرجل صاحبه: وكان ذلك بواسطة كلمة الله وتعبيره المتجسّد, (خروج 33: 18 - 23, مع خروج 33: 11 , "فقال (موسى) أرني مجدك... وقال (الله): لا تقدر ان ترى وجهي, لأن الانسان لا يراني ويعيش , وقال الرب: هوذا عندي مكان, فتقف على الصخرة, وأسترك بيدي حتى أجتاز, ثم أرفع يدي فتنظر ورائي, وأمّا وجهي فلا يرى... ويكلّم الرب موسى وجها لوجه, كما يكلّم الرجل صاحبه".) فالذي لم يستطع موسى ان يرى وجهه لئلا يموت, هو الذي ستر موسى بيده, ثم رفع يده عنه ليرى موسى وراءه, وهو الذي تكلّم الى موسى وجها لوجه وفما لفم, وهو الذي نزل في السحاب واجتاز قدام موسى ووقف عنده ونادى باسم الرب. وقد كان لموسى فرصة ومجال آخر رأى فيه وجه الله في شخص تعبيره - السيد المسيح - أيام تجسّده, عندما تقابل المسيح بموسى وإيليا على جبل التجلّي , وعندما أظهر المسيح لتلاميذه قبسا من مجده, (متى 17: 1 - 8 "اخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا الى جبل عال, وتغيّرت هيئته قدّامهم, وأضاء وجهه كالشمس , وصارت ثيابه بيضاء كالنور, وإذا موسى وايليا...).

6 - في متابعة لإعلان الله عن ذاته لموسى ,

لنا في الآيات الآتيةإيضاحاأكيدا جازما في قدرة الله على التجسد والظهور في شخص الابن الأزلي, الكلمة المعبر عن ذات الله وكماله. تثنية 32: 3و4 "...اعطوا عظمة لإلهنا, هوالصخر الكامل صنيعه,ان جميع سبله عدل,إله أمانة لا جور فيه, صديق وعادل هو", وقد تعلّم موسى كيف ينادي باسم الرب ويعظّم الله الذي يليق به كل التعظيم فكل آلهةالأمم اصنام وأحجار لا حياة فيها, بينما الله القدير هو الصخر الكامل صنيعه أصل الحياة والقدير العادل والصديق الأمين. وأما تشبيه الله بالصخر فهو دليل ثبات الله وعرشه ووعوده, كما اشارة الى قدرة الله وقوّته وشدّته. وقد استخدم هذا التشبيه في عدة مجالات وأيات في الوحي المقدس . فالله ليس كأصنام الامم الصخرية الحجرية, بل هو الصخر الكامل والحجر الأساس للحياة والقدرة والسلطان.

ففي نفس الاصحاح من سفر التثنية نقرأ في الآية 15: "فسمن يشورون ورفس ... فرفض الإله الذي عمله وغبي عن صخرة خلاصه" و 18: "الصخر الذي ولدك تركته, ونسيت الله الذي ابداك "و30: "لولا ان صخرهم باعهم والرب سلّمهم"; ولو تبعنا

التوازي في اسلوب الشعر في التوراة العبرانية لأدركنا مباشرة ان المقصود بصخرة الخلاص هو الإله الذي عمل, وبالصخر الذي ولد هو الله الذي أبدأ, وبالصخر الذي باع هو الرب الذي سلم.

فالرب الإله هو الله الصخر الكامل وهو صخر الدهور (اشعياء 26: 4 "توكلوا على الرب الى الابد, لأن في ياه الرب صخر الدهور" - ياه: مختصر يهوه اسم الله -), وهو صخرة الخلاص (تثنية 32: 15) وهو الله الصخرة الوحيدة (مزمور 18: 31

"لأنه من هو إله غير الرب, ومن هو صخرة سوى إلهنا?!" مع اشعياء 44: 8 "أما أعلمتك منذ القدم ...هل يوجد إله غيري? ولا صخرة, لا اعلم بها"). ومع ان كثيرين شبهوا بالصخر او الصخر او الحجر, لكن الله تفرّد بالتشبّه بالصخر والحجر الكامل, فان ثبات وقوة الآخرين نابعان من صخر الله القدير. وما هذه الشواهد الكتابية التالية سوى الدليل القاطع على تفرّد الله العلي بالتشبه بالصخرة:

1 - صموئيل الأول 2: 2 "ليس صخر مثل إلهنا",

2 - مزمور 19: 14 "يا رب صخرتي",

3 - مزمور 42: 9 "أقول لله صخرتي",

4 - مزمور 62: 2 "انما هو صخرتي وخلاصي",

5 - مزمور 78: 35 "ذكروا ان الله صخرتهم",

6 - مزمور 89: 26 "إلهي وصخرة خلاصي",

7 - مزمور 144: 1 "مبارك الرب صخرتي",...

فالله هو الصخر الكامل صنيعه والحجر الأساس منبع الثبات والقوة, لا اصنام الانسان ولا الانسان.

وبهذا, يعلن لنا الوحي ان الله الصخرة الأزلية والحجر الأساس والصخر الكامل إنما قد تجسد في شخص السيد المسيح وذلك في الشواهد الكتابية التالية:

* فالمسيح هو حجرالأساس ,حجرالزاوية والرأس : مزمور 118: 22 "الحجرالذي رفضه البنّاؤون قد صار رأس الزاوية", مع متى 21: 42 ومرقس 12: 10 ولوقا 20 :17 واعمال الرسل 4: 11 وأفسس 2: 20 , وقد جاءت بروح النبوة كما في مزمور 118: 22 آيات اخرى تبيّن لنا اعلان الله عن نفسه في شخص الابن - المسيح المشبّه بالصخرة والحجر الأساس :

* اشعياء 28: 16 "هنذا أؤسس حجرا, حجر امتحان, حجر زاوية كريما أساسا مؤسسا". وهذاالحجر الكريم الأساس هو رب الجنود:

* اشعياء 8: 13و14 "قدسوا رب الجنودفهو خوفكم وهو رهبتكم ويكون مقدسا وحجر صدمة وصخرة عثرة ..." مع بطرس الاولى 2: 4 - 8 "الذي (الآية 3 , الرب الصالح) إذ تأتون إليه حجرا حيّا مرفوضا من الناس ولكن مختار من الله, كريم... لذلك يتضمن في الكتاب: هنذا أضع حجر زاوية مختارا كريما والذي يؤمن به لا يخزى, فلكم انتم الكرامة, وأما للذين لا يطيعون فالحجر الذي رفضه البناؤون هو صار رأس الزاوية وحجر صدمة وصخرة عثرة..."

فالسيد المسيح, والابن الأزلي وتعبير الله الكامل, هو رب الجنود المقدس وحجر الصدمة وصخرة العثرة وهو حجر الأساس المختار الكريم, والذي يؤمن به لا يهرب ولا يخزى, أمّا الذين يرفضونه غير طائعين فيعثرون الى الهلاك ويصطدمون للعذاب الأبدي, (رومية 9: 31 - 33) والمسيح, تعبير الله وكلمته الأزلي, هو صخرة الحياة والخلاص التي تغنى بها الانبياء والمغنون في الوحي المقدس , وهو الذي كان مع الشعب القديم وسار أمامهم ورواهم وأشبعهم: * كورنثوس الأولى 10: 3 - 4 "وجميعهم اكلوا طعاما واحدا روحيا وجميعهم شربوا شرابا واحدا روحيا, لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم, والصخرة كانت المسيح", ومزمور 81: 16 "وكان أطعمه من شحم الحنطة, ومن الصخرة كنت أشبعك عسلا" مع تثنية 32: 13 "...وأرضعه عسلا من حجر وزيتا من صوّان الصخر".

فالسيد المسيح هو رب الجنود, الصخر الكامل الحيُ الأساس , المختار الكريم, المخلّص المشبع المروي المقدس والممتحن لكل انسان, فإن آمنّا به لا نخزى بل نكون على شبهه مبنيين كحجارة حيّة في هيكله ونشبع به ونرتوي ونثبت ونخلص ونحيا, وإن رفضناه, نكون قد رفضناإعلان الله عن ذاته وتعبير الله عن شخصه ومحبته.فماأمجدالرب وأعدله وأرحمه!

فهل نسمع لصوت الرب في هوشع 13: 4و5 "انا الرب الهك, وإلها سواي لست تعرف ولا مخلّص غيري, انا عرفتك في البرية في أرض العطش " (مع خروج 17: 6). أم نسمع لصوته في حبقوق: "ألست أنت منذ الأزل يا رب إلهي قدوسي, يا رب للحكم جعلتها, ويا صخر للتأديب أسستها", (مع كورنثوس الأولى 10: 9 - 11)

يا ليت كلنا نعرف الله كما عرفنا في العطش ففتح صخره وروانا, ولا نكون تحت التأديب والحكم بحجر صدمته وصخرة عثرته, نحن الذين انتهت الينا أواخر الدهور.

7 - اشعياء 40: 5 "فيعلن مجد الرب ويراه كل بشر جميعا لأن فم الرب تكلم". فالسيد الرب قد تكلم أن "مجد الرب" سيعلن ويراه كل بشر, وأما مجد الرب المعلن فهو ابن الله الأزلي كلمة تعبير الله عن ذاته من ذاته. وقد تكلّم اشعياء بالوحي ان مجد الرب هو الابن متجسّدا, بعدما تنبأ عن يوحنا المعمدان الذي سبق مجيء المسيح الى عالمنا, وذلك في الآية 3: "صوت صارخ في البرية, أعدوا طريق الرب", (مع متى 3: 3 ومرقس 1: 2 - 4), فقد أعد يوحنا طريق الرب (يهوه) قائلا في اشعياء 4: 3 , بروح النبوة "قوموا سبيلا لإلهنا", وأمّا الرب (يهوه) والهنا الذي أعد له يوحناالطريق فكان شخص السيدالمسيح:

* يوحنا 1: 23 "قال (يوحنا) انا صوت صارخ في البرية, قوّموا طريق الرب كما قال اشعياءالنبي", والآية 26 - 27 "في وسطكم قائم (المسيح) هو الذي يأتي بعدي صار قدامي الذي لست بمستحق ان أحلّ سيور حذائه". فقد تنبأ اشعياء وتكلّم يوحنا المعمدان بأن مجد الرب أعلن ورآه كل بشر آنذاك:

يوحنا 1: 1و14و18و10: 7و9 "في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله, والكلمة صار جسدا وحلّ بيننا ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الآب مملوء نعمة وحقا, الله لم يره أحد قط, الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبّر, لو كنتم قد عرفتموني لعرفتم ابي ايضا ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه, والذي رآني فقد رأى الآب".

إن كان الآب هو النور فالابن هو مجد النور, وإن كان الآب أصل الزهر فالابن عطر الزهر, وإن كان الآب هو النبع فالابن هو ماء النبع. فالابن هو تعبير الآب الكامل الذي خبّرنا عن ذات الله وشخصه, وعرّفنا بمحبته, وأرانا مجده ونعمته وحقه, وكلمة تعبيره متجسّدا. فمجد الرب أعلن ورآه كل بشر, كما ان الشمس اشرقت ورأينا مجد نورها:

* عبرانيين 1: 3 "الذي هو (المسيح) بهاء مجده (مجد الله) ورسم جوهره وحامل كل الاشياء بكلمة

قدرته..." مع اخبار الايام الأول 29: 11 "لك يا رب... البهاء والمجد...".

فالابن - المسيح هو مجد الرب المعلن ليقترب منه كل بشر ويراه, وهو الذي تمنّى موسى ان يراه, كما تأملنا سابقا,(خروج 33: 18 "فقال أرني مجدك") وقد أراه الله مجده في وجه تعبيره, في الابن الأزلي الحبيب, وذلك عندما أدخل الرب موسى في

الصخرة, أي عندما غمره المسيح ولبسه لئلا تهلكه قوة مجد الله, فالمسيح هو الصخرة التي تسترنا وهو الذي به نرى مجد الله ونوره وتعبيره,(خروج33: 21 - 23 "وقال الرب (لموسى) هوذا عندي مكان فتقف على الصخرة, ويكون متىاجتاز مجدي أني أضعك في نقرة من الصخرة (في المسيح) وأسترك بيدي حتى اجتاز...).

* اشعياء 2: 10 "ادخل الى الصخرة واختبئ في التراب من امام هيبة الرب ومن بهاء عظمته".

* مزمور 71: 3 "كن لي صخرة ملجإ أدخله دائما, لأنك صخرتي وحصني". فالله الابن, تعبير الله الذاتي ومجد الرب المعلن هو صخرة المحتمى والملجإ لموسى ولداود ولكل انسان, لكي يرى الله ويعرفه, وهو الذي تجسد في المسيح ورآه تلاميذه والناس آنذاك وعرفهم بالآب, ذات الله, من خلال معرفتهم بالابن, تعبير الله عن ذاته. فقد حجب الله قوة مجده في المسيح ليتسنى للانسان ان يراه, كما أظهر مجده في المسيح ليراه كل بشر على حقيقته, تماما.(فيليبي2: 6 - 7) "كان في صورة الله لكنه أخلى نفسه (حجب مجده)"). لقد أشرق الله بمجده على البشر,وعرف المؤمنون منهم نورالرب الذي جاءهم في شخص الابن متجسدا في المسيح:

* اشعياء 60: 1 "قومي استنيري لأنه قد جاء نورك (المسيح, يوحنا 1: 9) ومجد الرب اشرق عليك (اشعياء 9: 2 مع متى 4: 16 ولوقا 1: 79 ويوحنا 1: 9 "الشعب السالك في الظلمة أبصر نورا عظيما, أشرق عليهم نور, كان النور الحقيقي آتياالى العالم"). فقد أعلن مجد الرب في الابن المتجسّد الذي هو الوسيلة الوحيدة التي بها ندخل كما الى صخرة الملجإ, لكي نرى مجد الله الذي اشتهاه موسى فرآه في وجه يسوع المسيح (متى 17: 2و3 مع لوقا10: 23و24 "وقال (يسوع لتلاميذه): طوبى للعيون التي تنظر ما تنظرونه, إن انبياء وملوكا ارادوا ان ينظروا ما انتم تنظرون".). الابن - المسيح هو مجد الله وبهاءه الذي أعلن للبشر, والصادر من ذات الله, الآتي في الجسد من نسل داود:

* اشعياء 4: 2 "في ذلك اليوم يكون غصن الرب بهاء ومجدا..."مع اشعياء 11: 1و2 "ويخرج قضيب من جذع يسّى (ابي داود) وينبت غصن من أصوله ويحل عليه روح الرب..." مع ارميا 23: 5 "ها ايام تأتي يقول الرب, وأقيم لداود غصن بر, فيملك ملك ويجري حقا وعدلا في الارض ...وهذا هو اسمه الذي يدعونه به الرب برنا", زكريا 2: 5 "وانا يقول الرب, أكون لها سور نار من حولها, وأكون مجدا في وسطها". فمجد الله وبهاءه ونوره قد تجسد وظهر للبشر, تنبأ عنه الانبياء ورآه الرسل وكتبوا بوحي الله لنا, لنؤمن معهم ان لا سبيل لمعرفة الله ورؤيته إلا في السيد المسيح تعبير الله المتجسد وكلمته الأزلي الآتي إلينا من قلب الذات الأزلية, ليرفع الغشاوة عن أعيننا والظلمة عن مداركنا, فنراه وندركه ونعرف الحق والأصل والهدف من وجودنا في هذه الحياة. وإذ ينكر البعض حقيقة كون السيد المسيح تعبير الله المتجسّد وكلمته الأزلي, إلا أنه ما من شك ان اعتقاد الناس بالمسيح هو انه رجل صالح ونبي ورسول من أولي العزم. فإن كان كذلك في اعتقاد البعض , فإن شهادة المسيح لنفسه, وهو النبي والرسول والرجل الصالح, لا بدان تكون صادقة تماما, لأنه ما من انسان صالح ينسب لنفسه اللاهوت وهو مجرّد انسان, وإلا كان من أردإ الناس , على ان شهادة المسيح لنفسه أكدت في مناسبات وآيات كثيرة أنه تعبير الله وكلمته المتجسّد بشرا كامل:

فالسيد المسيح - الابن المتجسد ليس إلها من دون الله, بل هو تعبير الله الكامل, او الله معلنا, وهو ليس إلها مختلفا عن الله, بل هو تعبير ذات الله, ورسم جوهره, ومجده الذي أعلن للإنسان, وصورة الله غيرالمنظور,(عبرانيين 1: 3 , فيليبي 2:6 , كولوسي 1: 15) ; وهذه الحقيقة يمكن لنا أن نتأكد منها في حادثة إقامة المسيح للعازر الميت, وبالتحديد في يوحنا 11: 4 و 25و 27و 40 و43 "فلما سمع يسوع قال: هذا المرض ليس للموت, بل لأجل مجد الله, ليتمجّد ابن الله به... أنا هو القيامة والحياة, من آمن بي ولو مات فسيحيا, قالت له (مرثا اخت لعازر), يا سيّد, أنا قد آمنت انك المسيح ابن الله الآتي الى العالم ... قال لها يسوع: ألم أقل لك إن آمنت ترين مجد الله?... وصرخ بصوت عظيم:لعازر هلم خارجا, فخرج الميت..." فمجد الله الذي كان يظهره السيد المسيح, إنما كان كامنا فيه وفي اعماله, (يوحنا 17: 5 "مجّدني انت ايها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم). ويطلعنا الوحي على آيات أخرى أظهر فيها الله مجده الذي كان في المسيح:

* بطرس الاولى 4: 11 "لكي يتمجد الله في كل شيء بيسوع المسيح الذيلهالمجد والسلطان الى ابد الآبدين".

* بطرس الاولى 5: 10و11 "واله كل نعمة الذي دعانا الى مجده الابدي في المسيح يسوع...هو يكمّلكم...له المجد والسلطان الى أبد الآبدين."

* بطرس الثانية 3: 18 "في معرفة ربنا يسوع المسيح, له المجد الآن والى يوم الدهر."

* رؤيا 5: 12 "مستحق هو الخروف (المسيح) المذبوح أن يأخذ القدرة والغنى والحكمة والقوة والكرامة والمجد والبركة", والآية 13: "للجالس على العرش وللخروف: البركة والكرامة والمجد والسلطان إلى أبد الآبدين". * رؤيا 4: 11و7: 11و12 "أنت مستحق يا رب (الحي الى الأبد) أن تأخذ المجد والكرامة والقدرة لأنك خلقت كل الأشياء وهي بإرادتك كائنة وخلقت", مع عبرانيين 1: 3 "حامل كل الأشياء بكلمة قدرته", وكولوسي 1: 16و17 "فيه خلق الكل...وفيه يقوم الكل". رؤيا 7: 11و12 "وسجدوا لله قائلين:آمين, البركة والمجد والحكمة والشكر والكرامة والقدرة والقوة لإلهنا الى أبد الآبدين."

* اشعياء 42: 8 "أنا الرب, هذا اسمي, ومجدي لا أعطيه لآخر...". مجد الله مجد فريد لا يشاركه احد آخر به, وإنما ذات الله وتعبيره وروحه, قد أعلن لنا عن هذا المجد العظيم في تجسّده في شخص المسيح, وفي حياته واقواله وأعماله.

* كورنثوس الاولى 2: 8 "لأن لو عرفوا لما صلبوا رب المجد", مع اعمال 10: 36 "يسوع المسيح, هذا هو رب الكل", مع مزمور 24: 7 - 10 "فيدخل ملك المجد. من هو هذا ملك المجد? الرب القدير الجبار...رب الجنود هو ملك المجد."

* اشعياء 42: 8و48:11 مجدي وكرامتي لاأعطيهما لآخر" فالذي له المجد والكرامة والقدرة والقوة والسلطان والغنى والحكمة والبركة... والذي له كل ما لله, (يوحنا 17: 10 "كل ما هو لي فهو لك, وما هو لك فهو لي", مع لوقا 10: 22 ومتى 11: 27و28: 18 ويوحنا 16: 15 "كل ما للآب هو لي, كل شيء قد دفع الي من أبي, دفع الي كل سلطان في السماء وعلى الارض "), والذي هو رب المجد رب الكل, والذي هو ملك المجد:رب الجنود,الرب القدير الجبار, ليس سوى الله المعلن لذات الله الآب. فقد رأينا مجده مجدا,وهو جاءمن حضن وقلب الآب وخبرنا, وقد أعلن فيه مجد الله للبشر, وقد رأينا الآب وعرفناه عندما رأيناالإبن وعرفناه,إذ قد أعلن لناالابن نفسه,(يوحنا1: 14و18 ,و14: 7 - 11). وليس احد يعرف تعبير الله إلا ذات الله, ولا احد يعرف ذات الله إلا تعبير الله, ومن أراد تعبير الله أن يعلن له. وليس احد يعرف الله إلا روح الله الذي يفحص اعماق الله, فحياة الله, او روحه, هو كل ما في الله, وأمور الله لا يعرفها أحدإلا روح الله,(لوقا10: 22 ومتى 11: 27 وكورنثوس الاولى 2: 10و11), وروح الله هو روح المجد, (بطرس الاولى 4: 14). والله واحد بذاته وتعبيره وحياته, بالآب والإبن والروح القدس , له كل المجد الى أبد الآبدين, وما من شريك له ولا نظير, فهو الله المكتفي في جوهره وأقانيمه. فالابن يعرف الآب وحده, والآب يعرف الابن وحده, والروح القدس يعرف الآب والابن وحده, والله وحده يعرف ذاته وحده.

ومجد الله قد اعلن للبشر واظهر لنا, لنراه وندركه في شخص السيد المسيح, الذي هو مجد الله, وقد أنار لنا, وأرانا شبه مجد الرب الذي لا يرى. في انتقالنا الى المقارنة التالية, نستطيع ان نعاين مجد الرب كما كتب عنه الوحي في حزقيال 1:1

إلى 2: 1و8 , وايضا في رؤيا يوحنا 1: 1و9و10و12 - 19 , و4: 1 - 8 ففي حزقيال نقرأ: "وانا بين المسبيين

* إذ كان حزقيال منفيا - فرأيت رؤى الله. وكانت يد الرب عليه. فنظرت وإذا ...نار متواصلة وحولها لمعان, ومن وسطها كمنظر النحاس اللامع من وسط النار...وعلى شبه العرش , شبه كمنظر إنسان عليه من فوق, ورأيت مثل منظر النحاس اللامع كمنظر نار داخله من حوله, من منظر حقويه...نار...ولمعان... كمنظر القوس التي في السحاب يوم مطر, هكذا منظر اللمعان من حوله, هذا منظر شبه مجد الرب, ولمّا رأيته, خررت على وجهي, وسمعت صوت متكلّم... فقال لي ياابن آدم,قم على قدميك فأتكلم معك...وأقامني على قدمي, فسمعت المتكلّم معي...:من كلامهم لا تخف, لا ترتعب..., شبه عرش كمنظر حجر العقيق الأزرق, وعلى شبه العرش شبه كمنظر إنسان عليه من فوق." وفي رؤيا يوحنا نقرأ: "إعلان يسوع المسيح الذي أعطاه إياه الله...لعبده يوحنا...كنت في الجزيرة التي تدعى بطمس - إذ كان يوحنا منفيا -. كنت في الروح في يوم الرب, وسمعت, فالتفت لأنظر...وفي وسط السبع المناير شبه ابن إنسان...وعيناه كلهيب نار, ورجلاه شبه النحاس النقي, كأنهما محميّتان في أتون, وإذا عرش موضوع وعلى العرش جالس , ووجهه كالشمس وهي تضيء في قوّتها... وكان الجالس في المنظر شبه حجر اليشب والعقيق, وقوس قزح حول العرش في المنظر شبه الزمرّد,...فلما رأيته سقطت عند رجليه كميت, فوضع يده اليمنى عليّ قائلا لي: لا تخف, أنا هو الأول والآخر والحي وكنت ميتا وها أنا حي الى ابد الآبدين آمين, ولي مفاتيح الهاوية والموت, فاكتب ما رأيت... وكان الجالس على العرش في المنظر شبه حجر...العقيق...حول العرش في المنظر."

في مقارنتنا لهذين المقطعين من الوحي المقدس, نجد ان المجد الإلهي الذي رآه حزقيال والذي كان شبه مجد الرب, هو نفس المجد الذي رآه يوحنا والذي كان مجد المسيح تعبير الله الكامل. وقد كتب حزقيال ويوحنا تفاصيل متطابقة, فيما لو تتبعنا المقارنة عن مجد الله المعلن والمنظور من الانبياء, والذي أظهر للبشر في شخص السيد المسيح, ولله كل المجد. على ان الذي رآه النبي حزقيال ورآه يوحنا الرائي, رآه ايضا النبي دانيال. ولنا في المقارنة التالية اكبر دليل: فنقرأ في دانيال 7: 9 - 7 (مع مزمور 84: 11): "وجلس القديم الايام (الله), لباسه ابيض كالثلج, وشعر رأسه كالصوف النقي وعرشه لهيب نار, نهر نار جرى من قدّامه...ألوف ألوف تخدمه, ربوات ربوات وقوف قدّامه, فجلس الدّين (أي الديان), وفتحت الاسفار...لأن الرب الله شمس ..."

ونقرأ في رؤيا 1: 13 - 15 و20: 21 (مع تيموثاوس الثانية 4: 1): "...متسربلا بثوب إلى الرجلين, وأما رأسه وشعره فأبيضان كالصوف الأبيض كالثلج, وعيناه كلهيب نار, ووجهه كالشمس وهي تضيء في قوتها... ورأيت الأموات صغارا وكبارا واقفين امام الله وانفتحت اسفار, ودين الأموات...أمام الله والرب يسوع المسيح العتيدأن يدين الأحياء والأموات..."

نرى من هذه المقارنة ان الله المجيد والديّان الذي رأه دانيال, هو الله المتجسّد في المسيح الذي رأه يوحنا! فإننا قد رأينا مجد الله في وجه يسوع المسيح.

8 - إذ كان لنا فرصة للتأمل مليا في مجد الله المعلن للبشر في المسيح, حري بنا ان نتأمل في ظهورٍهذا المجد في العالم.

زكريا 2: 1 8 - 13 "لأنه هكذا قال رب الجنود: بعد المجد أرسلني الى الأمم...لأني هأنذا أحرك يدي عليهم فيكونون سلبا لعبيدهم, فتعلمون ان رب الجنود قد أرسلني. ترنمي وافرحي يا بنت صهيون لأني هأنذا آتي وأسكن في وسطك يقول الرب, فيتصل أمم كثيرة بالرب, ويكونون لي شعبا فأسكن في وسطك, فتعلمين ان رب الجنود قد أرسلني إليك... والرب يرث, ويختار...أسكتوا يا كل البشر قدّام الرب, لأنه قد استيقظ من مسكن قدسه."

والواضج الأكيد من هذه الآيات ان المتكلّم الذي أرسله رب الجنود الى الأمم, بعد المجد, والذي يحرّك يده على الأمم, فيعلم الشعب ان رب الجنود قد أرسله, ليس هو ابدا النبي زكريا الكاتب بل هو الرب (يهوه) الذي يأتي ويسكن في وسط شعبه الذي يترنم ويفرح به, وهو الذي يجعل امما كثيرة تتصل بالرب (الله الآب), وهو الذي يكونون له شعبا,وهو الذي يسكن وسط الشعب فيعلمون ان رب الجنود قد ارسله اليهم, انه تعبير الله المعلن للبشر والمرسل اليهم في شخص السيد المسيح .

تابع