الظل والجوهر

لا ظل بلا جوهر - ولا رمز بلا مرموز اليه

الحمد لله جل وعلا على ما جعل لنا في الكتاب من رموز مختلفة حافلة بدروس ومعان تظهر بأجلى بيان وأفصح لسان ، خطَّته الازلية سبحانه وتعالى ، لخلاص الانسان الاثيم العاجز عن تخليص نفسه .

وأول ما جاء في هذه الرموز حصل في جنة عدن لما سقط آدم وتمرد على الله وعصى أمره تعالى ، لقد ادرك آدم انه اخطأ ساعة انفتحت عيناه وعلم انه عريان فساورته من جراء ذلك خشية. ولكي يستر عريه خاط اوراق تين فصنع لنفسه مئزرة ، ومع ذلك فانه لما سمع صوت الرب الاله ماشياً في الجنة اختبأ ( راجع سفر التكوين 1:3-19 ) . ولكن هل يستطيع الانسان ان يتوارى عن الله الذي يملأ بحضرته الكون ..! ناداه الله قائلاً: " آدم ! آدم ! أين انت ؟ " وكأنه يقول لآدم: " أنت هارب لانك ادركت انك خاطئ , وأما انا فلشدة محبتي لك أبحث عنك وأناديك". وعند ذلك صنع الرب الاله لآدم وامرأته أقمصة ذات مغزى - أقمصة من جلد حيوان بريء ذُبح ليستر عريهما،به أشار الله الى ذبيحة المسيح المزمعة أن تُقدَّم فدية للجميع ليستر خزينا أمام الله.

كذلك ايضاً في ذبيحة ابراهيم رمز رائع وصورة واضحة لذبيحة المسيح على الصليب : كان ابراهيم وسارة امرأته طاعنين في السن لما وُلِد لهما اسحق الذي به وعد الله أن يقيم عهده مع ابراهيم لبركة الاجيال الآتية . وفي أحد الايام اراد الله ان يمتحن طاعة ابراهيم ، فأمره باصعاد اسحق محرقة على احد الجبال . فأطاع ابراهيم وما تردد ، بل ارتفعت يده واوشكت السكين أن تغمد في نحر الغلام واذا صوت الرحمة من عند الله يوقفه . " فرفع ابراهيم عينية ونظر واذا كبش وراءه ممسكاً في الغابة بقرنيه، فذهب ابراهيم وأخذ الكبش وأصعده مُحرقة عوضاً عن ابنه" ( سفر التكوين 22: 1-14) . فالله الذي هو غني في الرحمة ولفرط محبته قد دبَّر له خروفاً للمحرقة . وبهذا ايضاً اشار الى المسيح ، حمل الله من السماء الذي قدمه عوضاً عنا وبديلاً لنا " هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم " ( يوحنا 29:1 ) .

ثم لما اقترب الوقت لانقاذ الله لشعبه في القديم من بيت العبودية في مصر ، تلقوا من الله امراً بأن يذبحوا خروف الفصح ويرشوا دمه على القائمتين والعتبة العليا للبيوت التي يؤكل فيها . وقال الله: "ويكون لكم الدم علامة على البيوت التي انتم فيها. فأرى الدم وأعبر عنكم" (خروج 13:12)

قد تسأل ولماذا الدم ؟ فأجيبك : " لانه بدون سفك دم لا تحصل مغفرة " ( عبرانيين 22:9 ) ، . والسبب هو الخطية . لقد شملت حالة الخطية جميع البشر على السواء . والملاك المهلك كان على وشك انزال الموت بجميع الابكار في ارض مصر ، الا أن الله في رحمته اراد فداء ابكار شعبه بالحمل المذبوح . ولما اجتاز الملاك المهلك لم يدخل البيوت المرشوشة ابوابها بالدم - لقد نجا كل من احتمى تحت الدم .

فالى مَ يرمز هذا الدم ؟ انه يرمز الى " دم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح . معروفاً سابقاً قبل تأسيس العالم ولكن قد أظهر في الازمنة الاخيرة من أجلنا " ( 1 بطرس 19:1و20 ) .

وأنت ايها الاخ العزيز ، اذا اردت ان تنجو من الهلاك الابدي وتحتمي من غضب الله المعلن من السماء على جميع فجور الناس واثمهم ، فعليك الاحتماء تحت دم المسيح فصحنا الذي ذُبح لاجلنا.

ولنلتفت الآن الى رمز الحية النحاسية التي علَّقها موسى بأمر من الله ، بعد ان فتكت الحيات السَّامة بالشعب لوقوعه في الشر ضد الله : قال الله ان كل من لدغته هذه الحيات السَّامة ونظر الى الحية النحاسية المعلَّقة على الخشبة يشفى .

يا للعجب ! وأين العلاقة بين سمّ يسري في دمي ونظرة واحدة تلقى الى حية نحاسية معلَّقة على خشبة ؟ ان العلاقة هي في أن الحيات الفتاكة قد أرسلت نتيجة مباشرة لخطية الشعب . الا ان الله في رحمته أمسك السمّ عن مفعوله ، أما نظر الشعب الى الحية النحاسية المرفوعة فكان عبارة عن ايمانه بما عمل الله . كذلك ، فنظرنا الى المسيح يعبّر عن ايماننا بالعمل الذي عمله الله به في ذلك اليوم الذي فيه " وضع ( الرب ) عليه اثم جميعنا " وجعل نفسه ذبيحة اثم " ( راجع اشعياء 6:63و10 ) . لقد ارتضى المسيح في تلك الساعات الرهيبة . وهو معلَّق على الصليب ، أن تتراكم عليه جميع العواقب الناتجة عن سمّ خطايا العالم أجمع - خطاياي أنا وخطاياك أنت , وحملها ليكفِّر عنها وليمكنك من الحصول على غفرانها والبراءة من عاقبتها ، وذلك بنظرة الايمان الى المعلَّق على الصليب لاجلك .

" جعل ( الله ) الذي لم يعرف خطية ، خطية لاجلنا لنصير نحن بر الله فيه " ( 2 كورنثوس 21:5 ) اذاً فلنأت الى الرب يسوع المسيح بذاته الذي فيه تمَّت جميع هذه الرموز . فلا ظل بعد الآن بل حقائق جوهرية .

قارئي العزيز : هل رفع الرب عنك خطاياك أم ما زلت تحملها ؟ وان كنت لم تزل تحملها ، فما هو مصيرك الابدي ؟ ثم اذا ما فاجأتك المنية فالى اين المفر ؟ أين المفر من العدالة الالهية وهي تتعقبك ؟ هل تعلم انك عاجز كل العجز عن ايفاء دين العدل الالهي الذي جلبته عليك ذنوبك ؟ فلماذا، وهذه هي حالك، لا تأتي بالايمان الى يسوع وتُلقي خطاياك على حمل الله الرافع خطايا العالم ؟

اعلم يقيناً انه ليس لك سبيل للخلاص الا بالايمان ، الايمان بيسوع . " لأنكم بالنعمة مُخلَّصون بالايمان وذلك ليس منكم . هوعطية الله " ( افسس 8:2 ) . ان خطاياك ستبقى عليك ان حاولت معالجتها بغير العلاج الذي قدمه الله للانسان . انقطعت عنك الوسيلة الوحيدة لخلاص نفسك الهالكة ، ونزع ما يعلق به رجاؤك للحياة الابدية . لان الخلاص ليس بمجرد معرفة حقيقة سفك دم المسيح ، لانك قد تسلم عقلياً للحقيقة التاريخية بأنه قد أهرق دمه على خشبة صليب الجلجثة من أجل خطايا العالم ، ولكن المهم هو " هل فعل هذا الدم ، بايمانك الراسخ فيه ، فعله في قلبك لغفران خطاياك وتطهيرك من اثامك ؟ "

اذاً اسرع الى الدم المسفوك لاجلك ، فتُمحى خطاياك الآن : لانك ان اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الاموات خلصت . لان القلب يؤمن به للبر والفم يعترف به للخلاص" . ويقول ايضاً: "التفتوا الي واخلصوا يا جميع أقاصي الارض لاني أنا الله وليس اخر".

Back