نشأت شاباً شريراً مستهتراً عائشاً في الخطية ، ففي سن الرابعة عشرة كنت أجيد العزف على الآلات الموسيقية ، وأردد الأغاني البذيئة ، وأقوم باحياء الليالي والأفراح . وفي وسط هذا الجو الخانق تعلمت شرب الخمر والتدخين ولعب القمار والرقص . وكأي شاب في هذا السن تعرضت للشهوات الشبابية والذهاب لدور الملاهي والسينما ، وكنت في بعض الليالي أبدأ سهرتي في الساعة العاشرة مساء واستمر فيها حتى طلوع الفجر.
كنت أدخن حوالي 40 سيكارة يومياً ، وأحتسي الخمر كل مساء مستعبداً لها لدرجة أن الليلة التي تمر بدون أن أشرب فيها خمراً لا يمكنني أن انام . والعجب أني كنت مستعبداً لجميع هذه الخطايا ولا اشعر بأني انسان خاطئ .. يا للهول !! .
توفي احد أقاربي ممن لهم صلة وثيقة بي ، وكان زميلاً لي في لعب القمار . وهناك في مدافن الجبل الأحمر بالعباسية حيث تم دفن جثة الرجل تعامل الله معي بصورة لم أكن أتوقعها ، وهمس صوت الله في أذني بعدة أسئلة في غاية الأهمية :
- هل هذا الرجل الذي دفن الآن كان مستعداً للحياة الأبدية ؟ .
فقلت وانا تحت تبكيت الروح القدس والدموع تملأ عيني : " كلا يا رب لم يكن مستعداً " .
- هل انت في حالة احسن من هذا الرجل ؟ .
فقلت : "ان حياتي يا رب كما تعلم في ظلام دامس " .
- تب الآن والا انهيت حياتك مثله .
وفي وسط المقابر رجعت للمسيح من كل قلبي ، وعزمت في قرارة نفسي ان اعود للمنزل وأقرأ الكتاب المقدس . كان الحزن يبدو واضحاً على وجهي لدرجة ان جميع الذين كانوا معي في المدافن ظنوا اني حزين على الرجل المتوفي ، لكنني في الحقيقة كنت حزيناً على خطاياي . وبمجرد أن وصلت الى المنزل طلبت الكتاب المقدس ، ولكني لم اجده ، فقد كان منزلي عبارة عن نادي للعب وكان جميع افراد العائلة يترددون عليه بقصد قضاء الوقت . بدأت اقرأ الكتاب من سفر التكوين الى سفر الرؤيا ، وكأني اريد ان افعل ما يرضي الله عن طريق الاعمال الصالحة . ظللت حوالي عام وانا اطالع الكتاب المقدس ، وكلما قرأت فيه كان يكشف لي عن خطاياي . لكن شكراً لالهنا الذي انار لي الطريق . فعندما وصلت الى رسالة افسس الاصحاح الثاني حيث يقول الرسول : " لأنكم بالنعمة مخلصون ، بالايمان ، وذلك ليس منكم ، هو عطية الله ، ليس ما أعمال كيلا يفتخر أحد " لمعت هذه الآية امامي بصورة لن أنساها وبدأت اكررها عدة مرات ، ورفعت قلبي في صلاة عميقة الى الله وقلت له : " يا رب الآن علمت ان الخلاص هو عطية الله وكنت أظنه بالأعمال الصالحة التي أقدمها لك".
وما ان انتهيت من هذه الصلاة الا وشعرت بتغيير كلي في نفسي ، فالقلب القديم والحياة العتيقة قد استبدلتا بقلب جديد وحياة جديدة . لقد حل المسيح في قلبي ، وملأه بسلام وفرح لا ينطق به ومجيد ، ولم أستطع أن أمنع دموعي من التعبير عن الفرح الذي فاض في قلبي . وظل الفرح يتزايد حتى ملأ كياني كله ، وكان شعوري كشعور سجين قد خرج من سجنه الأبدي فصارت نفسي تترنم وروحي تهتف ، وكأن السماء قد حلت في قلبي . أستطيع ان اقول بأني تجددت عن طريق الكتاب المقدس ، فكنت أواظب على قراءته ست ساعات يومياً ، ولا يلذ لي الجلوس الا معه . يا ليت سيدي يعطي هذه الراحة لكل نفس لا تزال متعبة في سجن خطاياها .