ساد الصمت وشمل البيت سكون مهيب ، اذ كان الكل قد نام . وكنت ممدداً في فراشي وقد اطفأت النور وان لم انم بعد، وفجأة سمعت صوتاً يقرأ :
" فكونوا رحماء كما ان اباكم ايضاً رحيم . لا تدينوا فلا تدانوا ، لا تقضوا على احد فلا يقضي عليكم . اغفروا يغفر لكم " .
نهضت من فراشي برفق اتابع مصدر الصوت فاذا به صادر من غرفة اختي . فتحت الباب ، كانت اختي جالسة في فراشها ، وقد امسكت بيدها كتاباً تقرأه . وعبراتها تتلألا على خدها . ولما احست بي فوجئت وتملكها خوف ورهبة ، ووضعت الكتاب تحت وسادتها محاولة اخفاءه عني فقلت لها :
ارجوكِ ان تعطيه لي .
فأجابت كلا لن اعطيه لك .
سألتها: ولم ؟ !
فقالت: لئلا تمزقه .
فكانت اجابتي : اقسم لكِ ان لا امزقه فأعطني اياه .
اعطتني اياه ، كان كتيباً صغير الحجم عديد الصفحات . ذا ورق شفاف ، كُتب عليه "العهد الجديد" وكانت هي تقرأ الاصحاح السادس من انجيل لوقا . رجوتها ان تمنحني اياه لاقرأه فقبلت.
وقضيت ليلتي ساهراً التهم صفحات الكتاب وكلما قرأته اشرقت روحي بنور ربها وازداد حب المسيح في قلبي وازددت رغبة في التعرّف عليه وسلمته نفسي .
ومنذ تلك الليلة ، اخذت على عاتقي مهمة هداية ابناء وطني ، وارشادهم الى طريق الخلاص , لتكون لهم الحياة الابدية . لقد عمدت الى الاتصال بجماعة من اصدقائي وتحدثت اليهم في موضوع الروحيات ، اقتنصت الفرصة لكي ابرهن لهم ان ليس في دراسة الانجيل اي ضرر او خروج عن جادة الايمان . اليس الدين ان نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ؟ اذاً فدراستنا للكتاب المقدس وللمسيح لا تكفرنا . بل بالعكس تثبت ايماننا في الله . فوافقوا معي ، وتدريجياً بدأنا ندرس ونتفقه ، الى ان التمست منهم ميلاً الى الروحيات ، فقرأت عليهم اول آية من انجيل يوحنا . " في البدء كان الكلمة ، والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله ."..
ثم تابعت القراءة وكنت كلما تقدمت فيها ، يزدادون تلهفاً واهتماماً . فلا تململ ولا حركة بل سكون شامل وصمت تام تشقه كلمات الرب في روعة وجلال ، حتى خيّل لي انني اسمع حفيف الملائكة ، او اكاد ارى وجه المسيح .
الارض الطيبة ، تخرج نباتها باذن ربها ، وهكذا كانوا ارضاً طيبة ، ما ان القيت فيها البذرة الاولى حتى نبتت واينعت واثمرت . اي انهم قبلوا كلمة الرب بفرح وحماس . وما لبثوا ان صرحوا لي بايمانهم ، واذاعوا كلمة الله بين اقاربهم واصدقائهم . وقد عملت كلمة الرب فيهم . فنقّت قلوبهم من الادران والاثم .
لقد اعترضتني عدة مشاكل في البداية . فاتهمت بالخروج عن الدين . ورميت بشتائم اخجل من ذكرها . غير انني لم اجعل العقبات تثنيني عن السير قدماً في رسالتي . بل آليت على نفسي بالجهاد في سبيل اعلاء كلمة الرب .
شوقي